(وعن علي رضي الله عنه عند أحمد: وجعل التراب لي طهورا. هو وما قبله دليل من قال: إنه لا يجزئ إلا التراب، وقد أجيب بما سلف: من أن التنصيص على بعض أفراد العام لا يكون مخصصا، مع أنه من العمل بمفهوم اللقب، ولا يقوله جمهور أئمة الأصول.
(عن عمار) بفتح العين المهملة وتشديد الميم اخره راء، هو أبو اليقظان عمار (بن ياسر) بمثناة تحتية وبعد الألف سين مهملة فراء. أسلم عمار قديما وعذب في مكة على الاسلام وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وسماه (ص) الطيب والمطيب، وهو من المهاجرين الأولين، شهد بدرا، والمشاهد كلها، وقتل بصفين مع علي عليه السلام، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وهو الذي قال له (ص): تقتلك الفئة الباغية. (قال: بعثني رسول الله (ص) في حاجة فأجنبت) أي: صرت جنبا، وقدمنا أنه يقال: أجنب الرجل صار جنبا. ولا يقال: اجتنب، وإن كثر في لسان الفقهاء (فلم أجد الماء فتمرغت) بفتح المثناة الفوقية والميم وتشديد الراء فغين معجمة، وفي لفظ فتمعكت ومعناه: تقلبت (في الصعيد، كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي (ص) فذكرت له ذلك فقال: إنما كان يكفيك أن تقول) أي: تفعل، والقول يطلق على الفعل، كقولهم: قال بيده: هكذا (بيديك هكذا) بينه بقوله: (ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه. متفق عليه) بين الشيخين (واللفظ لمسلم). استعمل عمار القياس، فرأى أنه لما كان التراب نائبا عن الغسل، فلا بد من عمومه للبدن. فأبان له (ص) الكيفية التي تجزئه، وأراه الصفة المشروعة، وأعلمه أنها التي فرضت عليه. ودل على أنه يكفي ضربة واحدة، ويكفي في اليدين مسح الكفين، وأن الآية مجملة، بينها (ص) بالاقتصار على الكفين. وأفاد أن الترتيب بين الوجه والكفين غير واجب، وإن كانت الواو لا تفيد الترتيب، إلا أنه قد ورد العطف في رواية للبخاري للوجه على الكفين بثم، وفي لفظ لأبي داود: ثم ضرب بشماله على يمينه، وبيمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه، وفي لفظ: للإسماعيلي، ما هو أوضح من هذا: إنما يكفيك أن تضرب بيديك على الأرض، ثم تنفضهما، ثم تمسح بيمينك على شمالك وبشمالك على يمينك، ثم تمسح على وجهك، ودل على أن التيمم فرض من أجنب ولم يجد الماء. وقد اختلف في كمية الضربات، وقدر التيمم في اليدين: فذهب جماعة من السلف، ومن بعدهم إلى أنها تكفي الضربة الواحدة، وذهب إلى أنها لا تكفي الضربة الواحدة جماعة من الصحابة، ومن بعدهم، وقالوا: لا بد من ضربتين، للحديث الآتي قريبا، والذاهبون إلى كفاية الضربة: جمهور العلماء، وأهل الحديث، عملا بحديث عمار، فإنه أصح حديث في الباب، وحديث الضربتين يأتي: أنه لا يقوى على معارضته. قالوا: وكل ما عدا حديث عمار فهو ضعيف، أو موقوف، كما يأتي. وأما قدر ذلك في اليدين: فقال جماعة من العلماء، وأهل الحديث:
إنه يكفي في اليدين الراحتان، وظاهر الكفين، لحديث عمار هذا. وقد رويت عن عمار روايات بخلاف هذا، لكن الأصح ما في الصحيحين. وقد كان يفتي به عمار بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم -:
وقال آخرون: إنها تجب ضربتان، ومسح اليدين مع المرفقين، لحديث ابن عمر