ثم قد ورد النهي عن استدبارها أيضا، كما في حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعا: إذا جلس أحدكم لحاجته، فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها وغيره من الأحاديث. واختلف العلماء هل هذا النهي للتحريم، أو لا؟ على خمسة أقوال: الأول: أنه للتنزيه بلا فرق بين الفضاء والعمران، فيكون مكروها، وأحاديث النهي محمولة على ذلك بقرينة حديث جابر: رأيته قبل موته بعام مستقبل القبلة أخرجه أحمد، وابن حبان، وغيرهما، وحديث ابن عمر: أنه رأى النبي (ص) يقضي حاجته مستقبلا لبيت المقدس مستدبرا للكعبة متفق عليه. وحديث عائشة:
فحولوا مقعدتي إلى القبلة المراد بمقعدته ما كان يقعد عليه حال قضاء حاجته إلى القبلة: رواه أحمد، وابن ماجة، وإسناده حسن. وأول الحديث: أنه ذكر عند رسول الله (ص) قوم يكرهون أن يستقبلوا بفرجهم القبلة قال: أراهم قد فعلوا استقبلوا بمقعدتي القبلة هذا لفظ ابن ماجة: وقال الذهبي في الميزان: في ترجمة خالد بن أبي الصلت: هذا الحديث منكر. الثاني: أنه محرم فيهما، لظاهر أحاديث النهي، والأحاديث التي جعلت قرينة على أن للتنزيه محمولة على أنها كانت لعذر، ولأنها حكاية فعل، عموم لها. الثالث: أنه مباح فيهما قالوا:
وأحاديث النهي منسوخة بأحاديث الإباحة، لان فيها التقييد بقبل عام ونحوه، واستقواه في الشرح.
الرابع: يحرم في الصحارى دون العمران، لان أحاديث الإباحة وردت في العمران فحملت عليه، وأحاديث النهي عامة، وبعد تخصيص العمران بأحاديث فعله التي سلفت بقيت الصحارى على التحريم. وقد قال ابن عمر: إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك، فلا بأس به رواه أبو داود وغيره، وهذا القول ليس بالبعيد، لبقاء أحاديث النهي على بابها، وأحاديث الإباحة كذلك. الخامس: الفرق بين الاستقبال فيحرم فيهما، ويجوز الاستدبار فيهما، وهو مردود بورود النهي فيهما على سواء. فهذه خمسة أقوال. أقربها الرابع.
وقد ذكر عن الشعبي: أن سبب النهي في الصحراء: أنها لا تخلو عن مصل من ملك أو آدمي أو جني فربما وقع بصره على عورته، رواه البيهقي. وقد سئل: أي الشعبي، عن اختلاف الحديثين حديث ابن عمر أنه رآه يستدبر القبلة، وحديث أبي هريرة في النهي، فقال: صدقا جميعا.
أما قول أبي هريرة فهو في الصحراء، فإن لله عبادا ملائكة وجنا يصلون، فلا يستقبلهم أحد ببول ولا غائط، ولا يستدبرهم. وأما كنفكم فإنما هي بيوت بنيت لا قبلة فيها، وهذا خاص بالكعبة.
وقد ألحق بها بيت المقدس لحديث أبي داود نهى رسول الله (ص) عن استقبال القبلتين بغائط أو بول، وهو حديث ضعيف، لا يقوى على رفع الأصل، وأضعف منه القول بكراهة استقبال القمرين، لما يأتي في الحديث الثاني عشر. والاستنجاء باليمنى تقدم الكلام عليه. وقوله أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار يدل على أنه لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار، وقد ورد كيفية استعمال الثلاث في حديث ابن عباس: حجران للصفحتين وحجر للمسربة وهي بسين مهملة وراء مضمومة أو مفتوحة مجرى الحدث من الدبر.
وللعلماء خلاف في الاستنجاء بالحجارة: فالهادوية على أنه لا يجب الاستنجاء إلا على المتيمم، أو من خشي تعدي الرطوبة ولم تزل النجاسة بالماء، وفي غير هذه الحالة مندوب لا واجب،