للاعلام بدخول الوقت، ولدعاء السامعين لحضور الصلاة. وهذا الأذان الذي قبل الفجر، قد أخبر (ص) بوجه شرعيته بقوله: ليوقظ نائمكم، ويرجع قائمكم رواه الجماعة إلا الترمذي. والقائم: هو الذي يصلي صلاة الليل، ورجوعه عوده إلى نومه، أو قعوده عن صلاته إذا سمع الأذان، فليس للاعلام بدخول وقت، ولا لحضور الصلاة. إنما هو كالتسبيحة الأخيرة التي تفعل في هذه الاعصار، غايته أنه كان بألفاظ الأذان، وهو مثل النداء الذي أحدثه عثمان في يوم الجمعة لصلاتها، فإنه كان يأمر بالنداء لها في محل، يقال له: الزوراء، ليجتمع الناس للصلاة، وكان ينادي لها بألفاظ الأذان المشروع، ثم جعله الناس من بعده تسبيحا بالآية، والصلاة على النبي (ص). فذكر الخلاف في المسألة، والاستدلال للمانع والمجيز، لا يلتفت إليه من همه العمل بما ثبت. وفي قوله: كلوا واشربوا أي أيها: المريدون للصيام حتى يؤذن ابن أم مكتوم: ما يدل على إباحة ذلك إلى أذانه. وفي قوله: إنه كان لا يؤذن أي ابن أم مكتوم حتى يقال له: أصبحت أصبحت: ما يدل على جواز الأكل والشرب بعد دخول الفجر. وقال به جماعة. ومن منع من ذلك قال: معنى قوله: أصبحت أصبحت قاربت الصباح، وأنهم يقولون له ذلك، عند اخر جزء من أجزاء الليل، وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر. وفي الحديث دليل على جواز اتخاذ مؤذنين، في مسجد واحد، ويؤذن واحد بعد واحد. وأما أذان اثنين معا، فمنعه قوم، وقالوا: أول من أحدثه بنو أمية، وقيل: لا يكره، إلا أن يحصل بذلك تشويش. قلت: في هذا المأخذ نظر، لان بلالا لم يكن يؤذن للفريضة، كما عرفت، بل المؤذن لها واحد: هو ابن أم مكتوم. واستدل بالحديث على جواز تقليد المؤذن الأعمى، والبصير، وعلى جواز تقليد الواحد، وعلى جواز الأكل والشرب مع الشك في طلوع الفجر، إذ الأصل بقاء الليل. وعلى جواز الاعتماد على الصوت في الرواية إذا عرفه، وإن لم يشاهد الراوي، وعلى جواز ذكر الرجل بما فيه من العاهة، إذا كان القصد التعريف به ونحوه، وجواز نسبته إلى أمه إذا اشتهر بذلك.
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن بلالا أذن قبل الفجر، فأمره النبي (ص) أن يرجع، فينادي ألا إن العبد نام رواه أبو داود، وضعفه.) فإنه قال عقب اخراجه: هذا حديث لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة. وقال المنذري: قال الترمذي:
هذا حديث غير محفوظ. وقال علي بن المديني: حديث حماد بن سلمة: هو غير محفوظ، وأخطأ فيه حماد بن سلمة. وقد استدل به من قال: لا يشرع الأذان قبل الفجر، ولا يخفى أنه لا يقاوم الحديث الذي اتفق عليه الشيخان، ولو ثبت أنه صحيح لتؤول على: أنه قبل شرعية الأذان الأول، فإنه كان بلال هو المؤذن الأول، الذي أمر (ص) عبد الله بن زيد أن يلقي عليه ألفاظ الأذان، ثم اتخذ ابن أم مكتوم بعد ذلك مؤذنا مع بلال، فكان بلال يؤذن الأذان الأول، لما ذكره (ص) من فائدة أذانه، ثم إذا طلع الفجر أذن ابن أم مكتوم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص)