عن هذه الثلاثة في حديث ابن عبسة عند من ذكر: بأن الشمس عند طلوعها تطلع بين قرني شيطان، فيصلي لها الكفار، وبأنه عند قيام قائم الظهيرة تسجر جهنم، وتفتح أبوابها، وبأنها تغرب بين قرني شيطان، ويصلي لها الكفار: ومعنى قوله: قائم الظهيرة قيام الشمس وقت الزوال، من قولهم: قامت به دابته: وقفت. والشمس إذا بلغت وسط السماء أبطأت حركة الظل إلى أن تزول، فيتخيل الناظر المتأمل أنها وقفت وهي سائرة. والنهي عن هذه الأوقات الثلاثة:
عام بلفظه لفرض الصلاة ونفلها. والنهي للتحريم، كما عرفت من أنه أصله. وكذا يحرم قبر الموتى فيها. ولكن فرض الصلاة أخرجه حديث: من نام عن صلاته الحديث، وفيه:
فوقتها حين يذكرها، ففي أي وقت ذكرها، أو استيقظ من نومه أتى بها. وكذا من أدرك ركعة قبل غروب الشمس، وقبل طلوعها لا يحرم عليه، بل يجب عليه أداؤها في ذلك الوقت، فيخص النهي بالنوافل دون الفرائض. وقيل: بل يعمها بدليل: أنه (ص) لما نام في الوادي عن صلاة الفجر، ثم استيقظ لم يأت بالصلاة في ذلك الوقت، بل أخرها إلى أن خرج الوقت المكروه. وأجيب عنه، أولا: بأنه (ص) لم يستيقظ هو وأصحابه إلا حين أصابهم حر الشمس، كما ثبت في الحديث، ولم يوقظهم حرها، إلا وقد ارتفعت وزال وقت الكراهة. وثانيا: بأنه قد بين (ص) تأخير أدائها عند الاستيقاظ: بأنهم في واد حضر فيه الشيطان، فخرج (ص) عنه وصلى في غيره، وهذا التعليل يشعر بأنه ليس التأخير لأجل وقت الكراهة: لو سلم أنهم استيقظوا ولم يكن قد خرج الوقت. فتحصل من الأحاديث: أنها تحرم النوافل في الأوقات الخمسة، وأنه يجوز أن تقضي النوافل بعد صلاة الفجر، وصلاة العصر. أما صلاة العصر، فلما سلف من صلاته (ص) قاضيا لنافلة الظهر بعد العصر، إن لم نقل: إنه خاص به. وأما صلاة الفجر، فلتقريره لمن صلى نافلة الفجر بعد صلاته، وأنها تصلى الفرائض في أي الأوقات الخمسة لنائم، وناس، ومؤخر عمدا، وإن كان اثما بالتأخير. والصلاة أداء في الكل، ما لم يخرج وقت العامد، فهي قضاء في حقه.
ويدل على تخصيص وقت الزوال يوم الجمعة من هذه الأوقات بجواز النفل فيه: الحديث الآتي.
وهو قوله:
(والحكم الثاني) وهو النهي عن الصلاة وقت الزوال، والحكم الأول النهي عنها عند طلوع الشمس، إلا أنه تسامح المصنف في تسميته حكما، فإن الحكم في الثلاثة الأوقات واحد، وهو النهي عن الصلاة فيها، وإنما هذا الثاني أحد محلات الحكم، لا أنه حكم ثان.
وفسر الشارح الحكم الثاني: بالنهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة، كما أفاده حديث أبي سعيد، وحديث عقبة، لكن فيه أنه الحكم الأول، لان الثاني هو النهي عن قبر الأموات، فإنه الثاني في حديث عقبة، وفيه: أنه يلزم أن زيادة استثناء يوم الجمعة يعم الثلاثة الأوقات في عدم الكراهة، وليس كذلك اتفاقا، إنما الخلاف في ساعة الزوال يوم الجمعة (عند الشافعي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف وزاد) فيه: (إلا يوم الجمعة). والحديث المشار إليه أخرجه البيهقي في المعرفة: من حديث عطاء بن عجلان عن أبي نضرة عن أبي سعيد، وأبي هريرة قالا: