فإنه يكون قوله: إن دم الحيض أسود يعرف، بيانا لوقت إقبال الحيضة وإدبارها. فالمستحاضة إذا ميزت أيام حيضها: إما بصفة الدم، أو بإتيانه في وقت عادتها إن كانت معتادة، وعلمت بعادتها، ففاطمة هذه يحتمل أنها كانت معتادة، فيكون قوله: فإذا أقبلت حيضتك أي: بالعادة، أو غير معتادة، فيراد بإقبال حيضتها بالصفة، ولا مانع من اجتماع المعرفين في حقها، وحق غيرها.
هذا، وللمستحاضة أحكام خمسة، قد سلفت إشارة إلى الوعد بها. منها: جواز وطئها في حال جريان دم الاستحاضة عند جماهير العلماء، لأنها كالطاهر في الصلاة والصوم وغيرهما، وكذا في الجماع، ولأنه لا يحرم إلا عن دليل، ولم يأت دليل بتحريم جماعها. قال ابن عباس: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت، الصلاة أعظم. يريد: إذا جازت لها الصلاة ودمها جار، وهي أعظم ما يشترط له الطهارة، جاز جماعها. ومنها: أنها تؤمر بالاحتياط في طهارة الحدث والنجس، فتغسل فرجها قبل الوضوء، وقبل التيمم، وتحشو فرجها بقطنة أو خرقة، دفعا للنجاسة وتقليلا لها، فإن لم يندفع الدم بذلك شدت مع ذلك على فرجها، وتلجمت، واستثفرت، كما هو معروف في الكتب المطولة، وليس بواجب عليها، وإنما هو الأولى، تقليلا للنجاسة بحسب القدرة، ثم تتوضأ بعد ذلك. ومنها:
أنه ليس لها الوضوء قبل دخول وقت الصلاة عند الجمهور، إذ طهارتها ضرورية، فليس لها تقديمها قبل وقت الحاجة.
(وفي حديث أسماء بنت عميس) بضم المهملة وفتح الميم وسكون المثناة التحتية فسين مهملة. هي امرأة جعفر، هاجرت معه إلى أرض الحبشة، وولدت له هناك أولادا. منهم عبد الله، ثم لما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق، فولدت له محمدا، ولما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فولدت له يحيى (عند أبي داود: ولتجلس) هو عطف على ما قبله في الحديث، لان المصنف إنما ساق شطر حديث أسماء، لكن في لفظ أبي داود عنها هكذا: سبحان الله هذا من الشيطان لتجلس إلى اخره بدون واو. وفي نسخة في بلوغ المرام: (في مركن) بكسر الميم: الإجانة التي تغسل فيها الثياب (فإذا رأت صفرة فوق الماء) الذي تقعد فيه، فتصب عليها الماء، فإنها تظهر الصفرة فوق الماء (فلتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا، وتغتسل للفجر غسلا واحدا، وتتوضأ فيما بين ذلك). هذا الحديث، وحديث حمنة الآتي فيه الامر بالاغتسال في اليوم والليلة ثلاث مرات. وقد بين في حديث حمنة، أن المراد: إذا أخرت الظهر والمغرب، ومفهومه: أنها إذا وقتت اغتسلت لكل فريضة، وقد اختلف العلماء: فروي عن جماعة من الصحابة والتابعين:
أنه يجب عليها الاغتسال لكل صلاة. وذهب الجمهور إلى أنها لا يجب عليها ذلك. وقالوا:
رواية: أنه (ص) أمرها بالغسل لكل صلاة ضعيفة، وبين البيهقي ضعفها. وقيل:
بل هو حديث منسوخ: بحديث فاطمة بنت أبي حبيش: أنها توضأت لكل صلاة. قلت: إلا أن النسخ يحتاج إلى معرفة المتأخر، ثم إنه قال المنذري: إن حديث أسماء بنت عميس حسن، فالجمع بين حديثها وحديث فاطمة بنت أبي حبيش أن يقال: إن الغسل مندوب بقرينة عدم أمر فاطمة به، واقتصاره على أمرها بالوضوء، فالوضوء هو الواجب، وقد جنح الشافعي إلى هذا.