كثرة فلا نطيل بذكرها، إذ هي أشهر من الشمس. وقصد بالفتاوى، وزاحم كثيرا من شيوخه فيها. ورويته أحسن من بديهته، وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إلى الفتاوى يعد من حسناته. وله الباع الطويل في كل فن، خصوصا التصوف.
وولي تدريس عدة مدارس إلى منصب قضاء القضاة بعد امتناع كثرة، وذلك في رجب سنة ست وثمانين، واستمر قاضيا مدة ولاية الأشرف قايتباي، ثم بعد ذلك، إلى أن كف بصره فعزل بالعمر. ولم يزل ملازم التدريس والافتاء والتصنيف وانتفع به خلائق لا يحصون منهم ابن حجر الهيتمي، وقال في معجم مشايخه: وقدمت شيخنا زكريا لأنه أجل من وقع عليه بصري من العلماء العاملين والأئمة الوارثين، وأعلى من عنه رويت ودريت من الفقهاء الحكماء المهندسين، فهو عمدة العلماء الأعلام وحجة الله على الأنام، حامل لواء المذهب الشافعي على كاهله ومحرر مشكلاته وكاشف عويصاته في بكره وأصائله، ملحق الأحفاد بالأجداد، المتفرد في زمنه بعلو الاسناد، كيف ولم يوجد في عصره إلا من أخذ عنه مشافهة أو بواسطة أو بوسائط متعددة، بل وقع لبعضهم أنه أخذ عنه مشافهة تارة وعن غيره ممن بينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير له في أحد أهل عصره، فنعم هذا التمييز الذي هو عند الأئمة أولى به وأحرى، لأنه حاز به سعة التلامذة والاتباع وكثرة الآخذين عنه ودوام الانتفاع. انتهى. وتوفي رحمه الله تعالى يوم الجمعة رابع ذي الحجة بالقاهرة، ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي رضي الله عنه. وجزم في الكواكب بوفاته في السنة التي بعدها، قال: (عاش مائة وثلاث سنين) انتهى.