ذي الشهادتين لما شهد للنبي على الأعرابي فقال النبي: كيف شهدت بذلك وعلمته؟
قال: من حيث علمنا أنك رسول الله.
فمن يروي هذه الأخبار مستحسنا لها ومعولا عليها كيف يجوز أن يشك في أنه كان يذهب إلى أن الحاكم يحكم بعلمه لولا قلة تأمل ابن الجنيد؟
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه زائدا على الاجماع المتردد قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، وقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، فمن علمه الإمام سارقا أو زانيا قبل القضاء أو بعده فواجب عليه أن يقضي فيه بما أوجبته الآية من إقامة الحدود، وإذا ثبت ذلك في الحدود فهو ثابت في الأموال لأن من أجاز ذلك في الحدود أجازه في الأموال، ولم يجزه أحد من الأمة في الحدود دون الأموال.
فإن قيل: فلم زعمتم أنه أراد بقوله: الزانية والزاني والسارق والسارقة من علمتموه كذلك دون أن يكون أراد من أقر عندكم بسرقة أو زنى أو شهد عليه الشهود؟
قلنا: من أقر بزنى أو شهد عليه الشهود لا يجوز أن يطلق عليه القول بأنه زان وكذلك السارق وإنما حكمنا فيهما بالأحكام المخصوصة اتباعا للشرع وإن جوزنا أن يكون ما فعلا شيئا من ذلك، والزاني في الحقيقة من فعل الزنى وعلم ذلك منه وكذلك السارق فحمل الآيتين على العلم أولى من حملهما على الشهادة والإقرار.
فإن احتجوا بما يروى عن النبي ص أنه قال: لو أعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وأخبر ع أن المدعي لا يعطي بغير بينة.
فالجواب: أولا أن هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا، ثم إذا سلمناه قلنا:
علم الحاكم أقوى البينات، وإذا جعلنا البينة الإقرار والإشهاد من حيث أبانت عن الأمر وكشفت فأقوى منها العلم اليقين، فأما من فرق بين ما علمه القاضي وهو حاكم وبين ما علمه وهو على خلاف ذلك، وقوله: إن الذي علمه وهو غير حاكم لا اعتداد به، لأن القاضي علمه في حال لا ينفذ حكمه فيها باطل لأن العدل إذا شهد أمضى الحاكم