حقوق الناس بعلمه حتى يكون شاهدا آخر فيقضي بشهادته وشهادة الشاهد معه، وقال الشافعي: يقضي بعلمه في حقوق الناس وفي الحدود قولان لأنه يقبل رجوع المقر، وقال ابن أبي ليلى في من أقر عند القاضي في مجلس الحكم بدين: فإن القاضي لا ينفذ ذلك حتى يشهد معه آخر والقاضي شاهد، ثم قال بعد ذلك: إذا ثبت قوله في الأصول عنده أنفذ عليه القضاء.
فإن قيل: كيف تستجيزون ادعاء الاجماع من الإمامية في هذه المسألة وأبو علي بن الجنيد يصرح بالخلاف فيها ويذهب إلى أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في شئ من الحقوق ولا الحدود؟
قلنا: لا خلاف بين الإمامية في هذه المسألة وقد تقدم إجماعهم ابن الجنيد وتأخر عنه، وإنما عول ابن الجنيد فيها على ضرب من الرأي والاجتهاد وخطأه ظاهر، وكيف يخفى إطباق الإمامية على وجوب الحكم بالعلم وهم ينكرون توقف أبي بكر عن الحكم لفاطمة ع بنت رسول الله ص بفدك لما ادعت أنه نحلها أبوها ويقولون: إذا كان عالما بعصمتها وطهارتها وأنها لا تدعي إلا حقا فلا وجه لمطالبتها بإقامة البينة لأن البينة لا وجه لها مع القطع بالصدق؟ وكيف خفي على ابن الجنيد هذا الذي لا يخفى على أحد؟ أو ليس قد روت الشيعة الإمامية كلها ما هو موجود في كتبها ومشهور في رواياتها:
أن النبي ص ادعى عليه أعرابي سبعين درهما عن ناقة باعها منه، فقال ص: قد أوفيتك، فقال الأعرابي: اجعل بيني وبينك رجلا حكما يحكم بيننا، فأقبل رجل من قريش فقال له النبي ص: احكم بيننا، فقال للأعرابي: ما تدعي على رسول الله؟ قال: سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه، فقال: ما تقول يا رسول الله؟ قال: قد أوفيته، فقال للأعرابي: ما تقول؟ فقال: لم يوفني فقال لرسول الله: أ لك بينة على أنك قد أوفيته؟ فقال ص: لا، فقال للأعرابي: أ تحلف أنك لم تستوف حقك وتأخذه؟ فقال: نعم، فقال رسول الله ص: لأحاكمن هذا الرجل إلى رجل يحكم فينا بحكم الله عز وجل، فأتى