لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله، التقدير وأنزلنا إليك يا محمد أن احكم بينهم وإنما كرر الأمر بالحكم بينهم لأمرين:
أحدهما: أنهما حكمان أمر بهما جميعا لأن اليهود احتكموا إليه في زنى المحصن ثم احتكموا إليه في قتيل كان منهم، ذكره أبو علي وهو المروي عن أبي جعفر ع.
الثاني: أن الأمر الأول مطلق والثاني دل على أنه منزل.
قال ابن عباس والحسن: تدل الآية على أن أهل الكتاب إذا ترافعوا إلى الحكام المسلمين يجب أن يحكموا بينهم بحكم القرآن وشريعة الاسلام لأنه أمر من الله بالحكم بينهم والأمر يقتضي الإيجاب.
وقال أبو علي: نسخ ذلك التخيير بالحكم بين أهل الكتاب أو الإعراض عنهم والترك، قال الله تعالى: فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم.
والكتاب في قوله: أنزلنا إليك الكتاب، المراد به القرآن، " مصدقا " نصب على الحال، مصدق ما بين يديه من الكتاب يعني التوراة والإنجيل وما فيهما من التوحيد لله وعدله والدلالة على نبوتك والحكم بالرجم والقود وغيرهما، وفيه دلالة على أن ما حكى الله أنه كتبه عليهم في التوراة حكم يلزمنا العمل به لأنه جعل القرآن مصدقا لذلك وشاهدا.
وقال مجاهد: " ومهيمنا " صفة للنبي ع، والأول أقوى لأجل حرف العطف ولو قال بلا واو لجاز.
و " لا تتبع أهواءهم " عادلا عما جاءك من الحق، ولا يدل ذلك على أنه ع اتبع أهواءهم لأنه مثل قوله تعالى: لئن أشركت ليحبطن عملك، ولا يدل ذلك على أن الشرك كان وقع منه.
" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " قال مجاهد: شريعة القرآن لجميع الناس لو آمنوا به، وقال آخرون: إنه شريعة التوراة وشريعة الإنجيل وشريعة القرآن. والمعنى بقوله " منكم " أمة نبينا وأمم الأنبياء قبله على تغليب المخاطب على الغائب، فبين تعالى أن لكل أمة شريعة غير شريعة الآخرين لأنها تابعة للمصالح، فلا يمكن حمل الناس على