وإن كانت الكتابة مشروطة وهي أن يقول لعبده في حال المكاتبة: متى عجزت عن أداء قيمتك فأنت رد في الرق ولي جميع ما أخذت منك، فمتى عجز عن ذلك وحد العجز هو أن يؤخر نجما إلى نجم أو يعلم من حاله أنه لا يقدر على أداء ثمنه، فإنه يرجع رقا وجاز لمولاه رده إلى الرق.
وقوله تعالى: إن علمتم فيهم خيرا، الخير الذي يعلم منه هو القوة على التكسب بحيث يحصل به مال الكتابة، وقال الحسن: معناه إن علمتم مهم صدقا، وقال ابن عباس وعطاء: إن علمتم لهم مالا، وقال ابن عمر: إن علمتم فيهم قدرة على التكسب، قال لأنه إذا لم يقدر على ذلك أطعمني أوساخ أيدي الناس.
فصل:
ولا يجوز للسيد أن يكاتب عبده حتى يكون عاقلا فإن كان مجنونا لم يجز مكاتبته، لقوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، والخير الكسب والأمانة ولأنه تعالى قال: والذين يبتغون الكتاب، والمجنون لا ابتغاء له.
والمكاتبة مشتقة من الكتب وهو الضم والجمع، لأنه ضم أجل إلى أجل في عقد المعاوضة على ذلك، ودليل جوازها قوله تعالى: والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم، فأمر بالكتابة، فإذا ثبت هذا فمتى دعا العبد سيده إلى مكاتبته والحال ما ذكرناه في الآية فالمستحب له أن يجيبه إلى ذلك وليس بواجب، سواء دعاه إلى ذلك بقيمة مثله أو أقل أو أكثر.
واختلفوا في الأمر بالكتابة مع طلب المملوك لذلك وعلم مولاه أن فيه خيرا: فقال عطاء: هو فرض، وقال مالك والثوري وابن زيد: هو على الندب، وهو مذهبنا.
وقوله تعالى: وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، أمر من الله أن يعطي السيد مكاتبه من ماله الذي أنعم الله عليه بأن يحط عنه شيئا منه، وروى أبو عبد الرحمن السلمي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: يحط عنه ربع مال الكتابة، وقال سفيان: أحب أن يعطيه الربع أو أقل وليس بواجب، وقال ابن عباس: أمره بأن يضع عنه من مال الكتابة شيئا،