في نوع من الضعف والقوة يدل على حالة في الدماغ دائمة وهي الكدورة والصفاء وليس مع كل ضعف كدورة فقد يكون ضعف مع الصفاء مثل ان يكن الانسان يبصر الشئ القريب والقليل الشعاع ابصارا جيدا صافيا ويرى الأشياء الصغيرة منها ثم إذا بعدت أو كثر شعاعها عجز عن ادراكها فاذن الكدورة والصفاء قد يكونان معا في الضعف والصفاء قد يكون لا محالة مع القوة لكن الكدورة دائما تدل على مادة والصفاء على يبوسة وهذه الكدورة ربما استحكمت بغتة فكان منها السدر وهو يدل على مادة بخارية في عروق الدماغ والشبكة والحكم في الاستدلالات عن هذه الآفات ان ما يجرى مجرى التشوش فهو في أكثر الامر تابع لمزاج حار يابس وما يجرى مجرى النقصان والضعف فهو في الأكثر تابع لبرد الا ان يكون مع شدة ظهور فساد وسقوط فربما كان مع ذلك من الحرارة ولكن الحرارة ملايمة للقوى بالقياس إلى البرد فما لم يعظم استضرار المزاج وفساده لم يورد في القوى نقصانا فيجب ان لا يعول حينئذ على هذا الدليل تتوقع الدلائل الأخرى المذكورة لكل مزاج من المزاجين والبطلان قد يدل على تأكد أسباب النقصان ان كان لسبب دماغي ولم يكن لسبب آفات في الآلات من فساد وانقطاع وسدة وبالجملة زوال عن صلوحها للأداء أو لسبب في العضو الحساس نفسه ومن الأعضاء الحساسة ما هو شديد القرب من الدماغ فيقل ان لا تكون الآفة فيهما مشتركة مثل السمع والشم فأكثر آفاته التي لا تزول بتنقية وتعديل مزاج يكون من الدماغ ولذلك ما يكون سائر الحواس إذا تأذت بمحسوساتها دلت على آفة فيها من حر أو يبس لم يبلغا ان يسقطا القوة والسمع ثم الشم وفي الأكثر يدل على أن ذلك المزاج في الدماغ وأما الافعال السياسية فان قوة الوهم والحدس دالة على قوة مزاج الدماغ بأسره وضعفه دال على آفة فيه موقوفة إلى أن يتبين أي الافعال الأخرى اختل فمنها فساد قوة الخيال والتصور وافتها فان هذه القوة إذا كانت قوية أعانت في الدلالة على صحة مقدم الدماغ وهذه القوة انما تكون قوية إذا كان الانسان قادرا على جودة تحفظ صور المحسوسات مثل الاشكال والنقوش والحلو والمذاقات والأصوات والنغم وغيرها فان من الناس من يكون له في هذا الباب قوة تامة حتى أن الفاضل من المهندسين ينظر في الشكل المخطوط نظرة واحدة فترتسم في نفسه صورته وحروفه ويقضى المسألة إلى آخرها مستغنيا عن معاودة النظر في الشكل وكذلك حال قوم بالقياس إلى النغم وحال قوم بالقياس إلى المذاقات وغير ذلك وبهذا الباب تتعلق جودة تعرف النبض فإنه يحتاج إلى خيال قوى ترتسم به في النفس قوى الملموسات وهذه القوة إذا عرضت لها الآفة اما بطلان الفعل فلا تقوى فيه صورة خيال محسوس بعد زواله عن النسبة التي تكون بينه وبين الحاسة حتى يحس بها واما ضعف واما نقصان واما تغير عن المجرى الطبيعي بان يتخيل ما ليس موجودا دل ضعفه وتعذره وبطلان فعله في الأكثر على افراط بردا أو يبس في مقدم الدماغ أو رطوبة والبرد هو السبب بالذات والآخران سببان بالعرض لأنهما يجلبانه ودل تغير فعله وتشوشه على فضل حرارة وهذا كله بحسب أكثر الأمور وعلى نحو ما قيل في القوى الحساسة وقد يعرض هذا المرض لاصحاء العقل حتى تكون معرفتهم بالجميل والقبيح تامة وكلامهم مع الناس صحيحا لكنهم يتخيلون قوما حضورا ليسوا بموجودين خارجا ويتخيلون أصوات طبالين وغير ذلك كما حكى
(٨)