الزائدتين الحلميتين اللتين بهما يكون الشم وقد فارقتا لين الدماغ قليلا ولم تلحقهما صلابة العصب وقد جلل الدماغ كله بغشاء من أحدهما رقيق يليه والآخر صفيق يلي العظم وخلقا ليكونا حاجزين بين الدماغ وبين العظم ولئلا يماس الدماغ جوهر العظم ولا يتأدى إليه الآفات من العظم وانما تقع هذه المماسة في أحوال تزيد الدماغ في جوهره أو في حال الانبساط الذي يعرض له عقيب الانقباض وقد يرتفع الدماغ إلى القحف عند أحوال مثل الصياح الشديد فلمثل هذا من المنفعة ما جعل بين الدماغ وعظم القحف حاجزان متوسطان بينهما في اللين والصلابة وجعلا اثنين لئلا يكون الشئ الذي تحسن ملاقاته للعظم بلا واسطة هو بعينه الشئ الذي تحسن ملاقاته الدماغ بلا واسطة بل فرق بينهما فكان قريب من الدماغ رقيقا والقريب من العظم صفيقا وهما معا كوقاية واحدة وهذا الغشاء مع أنه وقاية للدماغ فهو رباط للعروق التي في الدماغ ساكنها وضاربها وهو كالمشيمة يحفظ أوضاع العروق بانتساجها فيه وكذلك ما يداخل أيضا جوهر الدماغ في مواضع كبيرة مزردة ويتأدى إلى بطونه وينتهي عند المؤخر منقطعا لاستغنائه بصلابته عنه والغشاء الثخين غير ملتصق بالدماغ ولا بالرقيق التصاقا يتهندم عليه في كل موضع بل هو مستقل عنه انما يصل بينهما العروق النافذة في الثخين إلى الرقيق والثخين مسمر إلى القحف بروابط غشائية تنبت من الثخين تشده إلى الدروز لئلا تثقل على الدماغ جدا وهذه الرباطات تطلع من الشؤون إلى ظاهر القحف فتثبت هناك حتى ينتسج منها الغشاء المجلل للقحف وبذلك ما يستحكم ارتباط الغشاء الثخين بالقحف أيضا وللدماغ في طوله ثلاثة بطون وان كان كل بطن في عرضه ذا جزأين فالجزء المقدم محسوس الانفصال إلى جزأين يمنة ويسرة وهذا الجزء يعين على الاستنشاق وعلى نفض الفضل بالعطاس وعلى توزيع أكثر الروح الحساس وعلى أفعال القوى المصورة من قوى الادراك الباطن وأما البطن المؤخر فهو أيضا عظيم لأنه يملأ تجويف عضو عظيم ولأنه مبدأ شئ عظيم أعني النخاع ومنه يتوزع أكثر الروح المحرك وهناك أفعال القوة الحافظة لكنه أصغر من المقدم بل من كل واحد من بطني المقدم ومع ذلك فإنه يتصاغر تصاغرا متدرجا إلى النخاع ويتكاثف تكاثفا إلى الصلابة وأما البطن الوسط فإنه كمنفذ من الجزء المقدم إلى الجزء المؤخر وكدهليز مضروب بينهما وقد عظم لذلك وطول لأنه مؤد من عظيم إلى عظيم وبه يتصل الروح المقدم بالروح المؤخر وتتأدى أيضا الأشباح المتذكرة ويتسقف مبدأ هذا البطن الأوسط بسقف كرى الباطن كالأزج ويسمى به ليكون منفذا ومع ذلك مبعدا بتدويره من الآفات وقويا على حمل ما يعتمد عليه من الحجاب المدرج وهناك يجتمع بطنا الدماغ المقدمان اجتماعا يتراءيان للمؤخر في هذا المنفذ وذلك الموضع يسمى مجمع البطنين وهذا المنفذ نفسه بطن ولما كان منفذا يؤدى عن التصور إلى الحفظ كان أحسن موضع للتفكر والتخيل على ما علمت ويستدل على أن هذه البطون مواضع قوى تصدر عنها هذه الأفعال من جهة ما يعرض لها من الآفات فيبطل مع آفة كل جزء فعله أو يدخله آفة والغشاء الرقيق يستبطن بعضه فيغشى بطون الدماغ إلى الفجوة التي عند الطاق وأما ما وراء ذلك فصلابته تكفيه تغشية الحجاب إياه وأما التزريد الذي في بطون الدماغ فليكون للروح النفساني نفوذ في جوهر الدماغ كما في بطونه إذ ليس في كل وقت تكون البطون متسعة منفتحة أو الروح قليلا بحيث تسعه البطون فقط
(٤)