والشرب وتواتر التخم لسوء الهضم حتى ينتشر منه في البدن ما يملا العروق ويسد مسالك النفس وهذه المواد الكثيرة قد تعين على الغشي من جهة حرمانها البدن الغذاء أيضا لأنها تسد طريق الغذاء الجيد ولا تستحيل بنفسها إلى الغذاء لأنها لكثرتها تقوى على الطبيعة فلا تنفعل عنها ومع ذلك فان مزاج البدن يفسد بها وهذه المواد التي تفعل الغشي بكثرتها أو بردائتها هي التي تفعل الكرب والغشى إذا وقعت في المعدة وكانت أقل كمية أو رداءة واما الكائن بسبب استفراغ مفرط فإنما يكون لاستتباعه الروح مستفرغا معه إلى أن يتحلل جمهوره وذلك اما استطلاق بطن بذرب أو اسهال متتابع أو زلق معدة أو معي أو سحج أو قئ كثيرا ورعاف أو نزف دم من عضو آخر كافواه عروق المقعدة أو لجراحة أو لبزل ماء استسقاء أو لبط دبيلة ليسيل منها شئ كثير دفعة أو نزف حيض أو نفاس أو لكثرة رياضة أو مقام في حمام حار شديد التعريق أو لسبب من أسباب التعريق قوى مفرط عارض لذاته فاعل للعرق لذاته كالحرارة أو معين كتخلخل البدن المفرط أو رقة من الأخلاط في جواهرها وطبائعها وإذا عرض الغشي عن استفراغ أخلاط والقوة الحيوانية قوية بعد لم يكن مخوفا وذلك مثل الغشي الذي يعرض بعد الفصد واما الوجع فيحدث الغشي لفرط تحليله الروح كما يعرض في ايلاوس والقولنج وفي اللذع المفرط العارض في الأعضاء الحساسة من فم المعدة والمعي ونحوها وفي مثل وجع جراحات العصب وقروحها واللدوغ التي تعرض عليها العقرب أو زنبور وفي قروح المفاصل الممنوة بالاحتكاك المفرع لما بينها الأنصاب المواد المؤذية ومثل أوجاع القروح الساعية المغشية لشدة ايجاعها لحدتها أو تأكيلها ويحدث منها فساد الأعضاء حتى يتأدى إلى الموت فإنها تغشى أولا بالوجع وآخرا بشدة تبريد القلب أو بايراد بخار سمى فاسد على القلب منعه من تجنف العضو واستحالته إلى ضد المزاج المناسب للناس واما عوارض النفس فقد تكلمنا فيها وعرفت السبب في اجحافها بالقلب فاما الورم فإنه يحدث الغشي اما بسبب عظمه حيث كان ظاهرا أو باطنا فيفسد مزاج القلب بتوسط تأدية الشرايين أو بسبب العضو الذي فيه إذا كان مثل غلاف القلب أو كان عظوا قريبا من القلب فان لم يكن الورم عظيما جدا فإنه يفعل ما يفعل العظيم البعيد أو بسبب الوجع إذا اشتد معه وأما المعدة فإنها كيف تكون سببا للغشي فاعلم أن المعدة عضو قريب الموضع من القلب وهي مع ذلك شديدة الحس وهي مع ذلك معدن لاجتماع الأخلاط المختلفة فهي تحدث الغشي اما بان تبرد جدا كما في بوليمرس أو بان تسخن جدا أو بان توجع جدا واما لان فيهما مادة غليظة رديئة باردة أو لذاعة وحريفة أو قروح أو بثور في فمها واما الأعضاء الأخرى فإنها كيف تكون سببا للغشي فاعلم أن الأعضاء الأخرى تكون سببا للغشي اما لوجع يتصل منها بالقلب أو بخار سمى يرسل إلى القلب مثل ما يعرض ذلك في اختناق الرحم واما لاستفراغ يقع فيها يحلل الروح من القلب مثل ضعف شديد في فم المعدة واما لسبب يوجب خنق مجاري الروح فيما حول القلب أو لأمزجة فاسدة قوية رديئة تغلب عليها مثل ما يكون في الحميات المحرقة والوبائية وذلك مما يكون بشركة جميع الأعضاء * واعلم أن الغشي المستحكم لا علاج له وخصوصا إذا تأدى إلى اخضرار الوجه وانتكاس الرقبة فلا يكاد يستقل ومن بلغ امره
(٢٧٣)