إلى هذا فإنه كما يشيل رأسه يموت واعلم أن من افتصد بالوجوب وغشي عليه لا لكثرة الاستفراغ ولا لعادة في المقصود معتادة ففي بدنه مرض أو في معدته ضعف لذاتها أو لانصباب شئ إليها والشيخ المحموم إذا انحل خامه إلى معدته أحدث غشيا والذي يغشى عليه في أول فصده فذلك لمفاجأة ما لم يعتد وكثيرا ما يعرض في البحارين غشي لانقباض المادة الحارة إلى المعدة وكثيرا ما يكون الفصد سببا للغشي بالتبريد (العلامات) العلامات الدالة على أسباب الغشي وأوجاعه مناسبة للعلامات المذكورة فإنها إذا كانت للخفقان وإذا اشتدت كانت للغشي وإذا اشتدت أكثر كانت للموت فجأة والنبض أدل دليل عليه فيدل بانضغاطه مع ثبات القوة على مادة ضاغطة وباختلافه الشديد مع فترات وصغر عظيم على انحلال القوة وأما سائر دلائله على سائر الأحوال فقد عرفته وبالجملة فان الغشي إذا لم يقع دفعة فإنه يصغر له النبض أولا ثم يأخذ الدم يغيب إلى داخل فيحول اللون عن حاله ويكاد الجفن لا يستقل ويتبين في العين ضعف حركة وتغير لون ويتخايل للبصر خيالات خارجية عن الوجود وتبرد الأطراف وتظهر نداوة في البدن باردة وربما عرض غشي وربما برد جميع البدن فإذا ابتدأ شئ من هذه العلامات عقيب فصد أو اسهال أو مزاولة شئ لابد من ايلامه فليمسك عنه وليزل السبب فقد تأدى إلى الغشي ان لم يقطع وإذا لم يكن للغشي سبب ظاهر باد أو سابق وكان معه خفقان متواتر ولم يكن في المعدة سبب يوجبه وتجرر فهو قلبي ومستحكم وأما الذي مع غثيان وكرب فقد يكون معديا وإذا توالى الغشي واشتد ولم يكن سبب ظاهر يوجبه فهو قلبي فصاحبه يموت فجأة (المعالجات) القوى منه والكائن بسبب من سوء مزاج مستحكم فلا علاج له وما ليس كذلك بل هو أخف أو تابع لأسباب خارجة عن القلب فيعالج وصاحب الغشي قد يكون فيما بين الغشي والإفاقة وقد يكون في نوبة الخف من الغشي فاما إذا كان في حال الغشي فليس دائما يمكننا ان نشتغل بقطع السبب بل نحتاج ان يقابل العرض العارض بواجبه من العلاج وربما اجتمع لنا حاجتان متضادتان بحسب جزئين مختلفين فاحتجنا في الأعضاء إلى نقصان واستفراغ لما فيها من الأخلاط وفي الأرواح إلى زيادة في الغذاء نعش لما يعرض لها من التحلل وأكثر ما يعرض من الغشي فيجب فيه ان يبدأ ويشتغل بما يغذو الروح من الروائح العطرة الا في اختناق الرحم ولغشي الكائن منه فيجب ان تقرب من أنوفهم الروائح المنتنة وخصوصا الملائمة مع ذلك لفم المعدة ولشم الخيار خاصية فيه مجربة وخصوصا في علاج الحار الصفراوي وكذلك الخس ثم يعالج بالسقي والتجريع من ناعشات القوة وإذا كان هناك خواء وجوع فلا يجوز ان يقرب منهم الشراب الصرف بل يجب ان يخلط بماء اللحم الكثير أو يمزج بالماء والا فربما عرض منه الاختلاط والتشنج ومما لابد منه في أكثر أنواع الغشي تكثيف البدن من خارج لتحتقن الروح المتحللة اللهم الا أن يكون اسهال قوى جدا أو يكون السبب بردا شديدا وإذا لم يكن هناك سبب من برد ظاهر يمنع رش الماء البارد والترويح وتجريع الماء البارد وماء الورد خاصة والبأس الثياب المصندلة مع اشتمام الروائح الباردة وكثيرا ما يفيق بهذا فان كان أقوى من هذا ولم يكن عقيب امر محلل حار جدا فيجب أن ينفخ المسك في أنفه
(٢٧٤)