إليه، بل يبادر إلى الاعطاء قبل أن يفتقر إلى السؤال، كما ورد في الأخبار، وإن أضجراه فلا يقل لهما أف، وإن ضرباه لا يعبس وجهه، وقال لهما:
غفر الله لكما، ولا يملأ عينيه من النظر إليهما إلا برحمة ورقة، ولا يرفع صوته فوق صوتهما، ولا يده فوق أيديهما، ولا يتقدم قدامهما، بل مهما أمكن له لا يجلس عندهما، وكلما بالغ في التذلل والتخضع كان أجره أزيد وثوابه أعظم.
وبالجملة: إطاعتهما واجبة وطلب رضاهما حتم، فليس للولد أن يرتكب شيئا من المباحات والمستحبات بدون إذنهما، ولذا أفتى العلماء بأنه لا تجوز المسافرة في طلب العلم إلا بأذنهما، إلا إذا كان في طلب علم الفرائض، من الصلاة والصوم وأصول العقائد، ولم يكن في بلده من يعلمه، ولو كان في بلده من يعلمه لم تجز المسافرة. وقد روي: " أن رجلا هاجر من اليمن إلى رسول الله (ص) وأراد الجهاد، فقال له: ارجع إلى أبويك فاستأذنهما، فإن أذنا فجاهد، وإلا فبرهما ما استطعت، فإن ذلك خير مما كلف به بعد التوحيد ". وجاء آخر إليه للجهاد، فقال: " ألك والدة؟ " قال: نعم! قال: " فالزمها، فإن الجنة تحت قدمها ". وجاء آخر، وطلب البيعة على الهجرة إلى الجهاد، وقال: ما جئتك حتى أبكيت والدي. قال: " ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما ". ولو وقعت بين الوالدين مخالفة، بحيث توقف رضى أحدهما على سخط الآخر، فينبغي أن يجتهد في الإصلاح بينهما بأي طريق أمكن، ولو بالعرض إلى فقيه البلد حتى يطلبهما ويعظهما ويقيمهما على الوفاق، لئلا ينكسر خاطر أحدهما منه.
وأعلم أن حق كبير الأخوة على صغيرهم عظيم، فينبغي محافظته.
قال رسول الله (ص): " حق كبير الأخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده ".