من الصدقة في العلانية " (27). وقوله (ع): " كلما فرض الله عليك، فإعلانه أفضل من أسراره، وكلما كان تطوعا، فإسراره أفضل من إعلانه ".
وإنما الكلام في أن الأفضل للأخذ في أخذها، أن يأخذها سرا أو علانية. فقيل: الأفضل له أخذها، لأنه أبقى للتعفف وستر المروة، وأسلم لقلوب الناس وألسنتهم من الحسد وسوء الظن والغيبة، وعون للمعطي على أسرار العمل، وقد علمت أفضلية السر على الجهر في الاعطاء، وأصون لنفسه عن الإذلال والإهانة، وأخلص من شوب شركة الحضار، فإن المستفاد من الأخبار: أن الحضار شركاء من أهدي له في الهدية. والظاهر أن الصدقة مثلها إذا كان الحضار من أهلها. قال رسول الله (ص): " من أهدي له هدية وعنده قوم، فهم شركاؤه فيها ". وقال الباقر (ع): " جلساء الرجل شركاؤه في الهدية ". وقال (ع): " إذا أهدي للرجل هدية من طعام، وعنده قوم، فهم شركاؤه في الهدية الفاكهة أو غيرها ". وقيل:
الأفضل أخذها علانية، والتحدث بها، لتنقية الكبر والرياء، وتلبيس الحال، وإيجابه الإخلاص والصدق، وإقامة منة الشكر، وإسقاط الجاه والمنزلة، وإظهار العبودية والمسكنة، مع أن العارف ينبغي ألا ينظر إلا إلى الله، والسر والعلانية في حقه واحد، فاختلاف الحال شرك في التوحيد.
والحق أن الحكم بأفضلية أحدهما على الإطلاق غير صحيح، إذ تختلف أفضلية كل منهما باختلاف النيات، وتختلف النيات باختلاف الأحوال والأشخاص.
فينبغي لطالب السعادة أن يراقب نفسه، ويلاحظ حاله ووقته، ويرى أن أي الحالتين من السر والجهر بالنظر إليه أقرب إلى الخلوص والقربة، وأبعد من الرياء والتلبيس وسائر الآفات، فيختار ذلك، ولا يتدلى بحبل الغرور ولا ينخدع بتلبيس الطبع ومكر الشيطان. مثلا إذا كان طبعه مائلا إلى الإسرار، ورأى أن باعث هذا الميل حفظ الجاه والمنزلة، وخوف سقوط * (الهامش) * (27) صححنا أغلب هذه الأخبار المروية عن أهل البيت - عليهم السلام - في هذا المقام على (الوافي): 6 / 282، 284 باب فضل الصدقة وباب فضل صدقة السر.