سنة 557 في تابوت وركب خلفه العاضد إلى تربته التي بالقرافة الكبرى فقال في ذلك عمارة اليمني من قصيدة طويلة تأتي:
وكانه تابوت موسى أودعت * في جانبيه سكينة ووقار وله فيه مراث كثيرة. ومن العجائب ان الصالح ولي الوزارة في التاسع عشر وقتل في التاسع عشر ونقل تابوته في التاسع عشر وزالت دولتهم في التاسع عشر.
وقال عماد الدين الكاتب: نفق في زمانه النظم والنثر واسترق باحسانه الحمد والشكر. وقرب الفضلاء واتخذهم لنفسه جلساء، ورحل إليه ذوو الرجاء وأفاض على الداني والقاصي بالعطاء وله قصائد كثيرة مستحسنة. وله ديوان كبير واحسان كثير وقال العماد أيضا في الخريدة يتحدث عن اثر مقتله:
وانكسفت شمس الفضائل ورخص سعر الشعر وانخفض علم العلم وضاق فضاء الفضل وعم رزء ابن رزيك وملك صرف الدهر ذلك المليك فلم تزل مصر بعد منحوسة الحظ منجوسة الجد منكوسة الراية معكوسة الآية.
وجاء في كتاب الوزراء المصرية لعمارة اليماني عن الصالح طلائع:
لم يكن مجلس انسه ينقطع الا بالمذاكرة في أنواع العلوم الشرعية والأدبية وفي مذاكرة وقائع الحرب، وكان مرتاضا قد شم أطراف المعارف وتميز عن احلاف الملوك وكان شاعرا يحب الأدب وأهله يكرم جليسه ويبسط أنيسه ولكنه كان مفرط العصبية في مذهب الإمامية. وكان مرتاضا حصيفا قد لقي في ولايته فقهاء السنة وسمه كلامهم.
وقال في النجوم الزاهرة: خلت القاهرة لطلائع ابن رزيك من مماثل، وأظهر مذهب الإمامية.
ثم قال: وجعل له مجلسا في أكثر الليالي يحضره أهل الأدب ونظم هو شعرا ودونه.
جهاده للصليبيين في الوقت الذي ولى فيه الملك الصالح طلائع بن رزيك الوزارة في مصر كان الصليبيون في عنفوان قوتهم وقد تسلطوا على الأرض الاسلامية، فأعد الصالح طلائع نفسه لقتالهم وتجند لمجاهدتهم. فمن وقائعه معهم انه أرسل سنة 553 في أوائل ربيع الأول حملة من مصر إلى غزة وعسقلان وكان الفرنج يحتلونهما فأغارت الحملة على أعمالها وخرج إليهم من كان بها من الإفرنج فاظهر الله تعالى المسلمين عليهم قتلا وأسرا بحيث لم يفك منهم الا اليسير وغنموا ما ظفروا به وعادوا سالمين ظافرين. ويبدو ان معركة بحرية حصلت أيضا في نفس الوقت ظفر فيها الفاطميون وغنموا.
ثم يذكر صاحب الروضتين القصيدة التي أرسلها الصالح طلائع إلى أسامة بن منقذ الذي كان قريبا من نور الدين في بلاد الشام يذكر له هذه الوقعة ويطلب إليه تحريض نور الدين على مهاجمة الصليبيين، كما أرسل عدة قصائد في نفس الموضوع فيما يأتي:
ويعلق ناشر الكتاب ومحققه الدكتور محمد حلمي احمد مدرس التاريخ الاسلامي في كلية دار العلوم في القاهرة على نشر ابن أبي شامة لهذه القصائد بقوله:
يسوق أبو شامة في هذه الصفحة وفي الصفحات التالية مجموعة من القصائد المتبادلة بين الصالح طلائع بن رزيك وزير مصر وأسامة بن منقذ الذي كان عندئذ على صلة بنور الدين تيسر له القيام بمهمة ايجاد نوع من التحالف بين مصر الفاطمية الشيعية والشام العباسية ضد الفرنج. وتدل هذه الاشعار وبخاصة ما كتبه الصالح بن رزيك منها على المحاولات المتكررة التي بذلها هذا الوزير في محاولة تحسين علاقته ممثلا لمصر بنور الدين سلطان الشام في سبيل مقاومة العدو المشترك. فهذه الاشعار إذن ليست واردة هنا على انها مجرد أمر أدبي فني جميل أعجب به أبو شامة وانما اقتبسها مؤرخنا لتصور مراحل التطورات السياسية في علاقة مصر بالشام.
هذا ما علق به الدكتور احمد ثم يقول أبو شامة مشيرا إلى تلك الواقعة: وأرسل إلى مؤيد الدولة أسامة بن منقذ من مصر وزيرها الملك الصالح أبو الغارات طلائع بن رزيك قصيدة يشرح فيها حال هذه الغزاة ويحرص فيها نور الدين على قتال المشركين، ويذكر بما من الله تعالى عليه من العافية والسلامة من المرض.
فمما جاء في تلك القصيدة:
الا هكذا في الله تمضي العزائم * وتنضى لدى الحرب السيوف الصوارم ويستنزل الأعداء من طود عزهم * وليس سوى سمر الرماح سلالم وتغزى جيوش الكفر في عقر دارها * ويوطأ حماها والأنوف رواغم ويوفى الكرام الناذرون بنذرهم * وان بذلت فيها النفوس الكرائم نذرنا مسير الجيش في صفر، فما * مضى نصفه حتى انثنى وهو غانم بعثناه من مصر إلى الشام قاطعا * مفارز وخد العيس فيهن دائم فما هاله بعد الديار، ولا ثنى * عزيمته جهد الظما والسمائم يهجر والعصفور في قعر وكره * ويسرى إلى الأعداء والليل نائم يباري خيولا ما تزال كأنها * إذا ما هي انقضت نسور قشاعهم يسير بها الضرغام في كل مازق * وما يصحب الضرغام الا الضراغم ورفقته عين الزمان، وحاتم * ويحيى، وان لاقى المنية حاتم وواجههم جمع الفرنج بحملة * تهون على الشجعان فيها الهزائم فلقوهم رزق الأسنة، وانطووا * عليهم، فلم ينجم من الكفر ناجم وما زالت الحرب العوان أشدها * إذا ما تلاقى العسكر المتضاجم يشبههم من لاح جمعهم له * بلجة بحر موجها متلاطم وعادوا إلى سل السيوف، فقطعت * رؤوس، وحزت للفرنج غلاصم فلم ينج منهم يومذاك مخبر * ولا قيل هذا وحده اليوم سالم نقلتهم بالرأي طورا، وتارة * تدوسهم منا المذاكي الصلادم فقولوا لنور الدين، لا فل حده * ولا حكمت فيه الليالي الغواشم تجهز إلى أرض العدو ولا تهن * وتظهر فتورا ان مضت منك حارم فما مثلها تبدي احتفالا به، ولا * يعض عليها للملوك الأباهم فعندك من ألطاف ربك ما به * علمنا يقينا انه بك راحم أعادك حيا بعد أن زعم الورى * بأنك قد لاقيت ما لاقاه حاتم بوقت أصاب الأرض ما قد أصابها * وحلت بها تلك الدواهي العظائم وخيم جيش الكفر في أرض شيزر * فسقيت سبايا واستحلت محارم وقد كان تاريخ الشام وهلكه * ومن يحتويه انه لك عادم فقم، واشكر الله الكريم بنهضة * إليهم، فشكر الله للخلق لازم فنحن على ما قد عهدت، نروعهم * ونحلف جهدا، اننا لا نسالم