ان أدفعها عن يد عالم مجتهد واخذ بها ايصالا شرعيا قانونيا لأكون فارع الذمة امام الله ولا يطالبني أحد من الناس فقلت ليكن ذلك فقال انا لا اطمئن بغير الشيخ آقا رضا الهمذاني فقلت انه شيخنا واستاذنا فحضرنا جميعا امام الشيخ انا وشريكي في الوكالة والسيد محمود واحضر السيد محمود معه ابن عمه السيد محمد سعيد العالم الشاعر المشهور ليكون مراقبا على صحة الايصال شرعا وقانونا لكنه حين كتابة الايصال اضطر ان يؤخر كتابته لأنها لم تنتظم معه في المجلس رغم علمه الوافر وأدبه الجم فلما عرضنا ذلك على الشيخ قال إن الوكالة لا تثبت بالخط لكن ان كنتما وكيلين والا فانا أوكلكما لأنني ولي الغائب فهذه أول عقدة انحلت والحمد لله وشرع السيد الحبوبي في دفع الليرات فظهر انها تنقص ليرة واحدة فقال اكتبوا الايصال وانا أحضرها من السوق فشرعنا نكتب الايصال فقال الشيخ كيف تكتبون بوصول المبلغ تماما وهو ينقص واحدة هذا كذب لا يجوز فقلت له انها تصلنا بعد وقت قصير فهبه كقوله تعالى ونفخ في الصور فلم يقبل فقلت له نقرضه ليرة مما دفعه ويدفعها لنا فيرتفع الكذب ولم يكن معنا ليرة لنا لنقرضه إياها لأننا:
لا تالف الليرة الصفراء صرتنا * بل قد تمر عليها وهي تنطلق فقال الشيخ لا يجوز لكم اقراض مال اليتيم فلت له انه سيعود إلينا بلا فصل قال وان فلما رأى الحبوبي النزاع محتدما قام إلى السوق واحضر ليرة ودفعها لنا وانحلت هذه العقدة الثانية والحمد لله فقال الشيخ أنتم هنا وأصحاب المال في جبل عاملة فكيف ترسلونه إليهم ولعله يفقد في الطريق فقلت له نحن لا نرسله عينا إلى جبل عاملة ولكننا نضعه أمانة عند بعض التجار ونكتب إلى الوصي فيقبض ممن لهم أولاد طلاب في النجف ويحول علينا فندفع لأولادهم فقال عند أي تاجر تريدون وضع المال قلنا له عند الحاج علي شعبان والحاج باقر شعبان وكانا من الأتقياء المعتمدين عند الجميع فقال اشهدوا عليهما عند الدفع فقلت له أتاجر الذي نضع عنده أمانة يثقل الاشهاد عليه وان كان من أهل التقوى فقال لا يلزم أن تقولوا له نريد ان نشهد عليك بل تدفعون له بحضور شاهدين بدون أن يفهم انهما حضرا للشهادة عليه وانحلت العقدة الثالثة والرابعة ولله الحمد والمنة وفي هذه الحكاية درس عظيم نافع لمن يتولون قبض الأمانات.
تواضعه الشديد وحمله نفسه عليه في كل شئ من تواضعه الشديد انه كان يقوم لكل داخل ويقوم للطلاب جميعهم حتى في أثناء الدرس والعادة المتبعة في النجف ان الشيخ لا يقوم لاحد من تلاميذه في يوم الدرس سواء في أثنائه وخارجه فإذا قام لهم علموا ان ذلك اليوم يوم تعطيل اما الطلاب فيقومون للداخل منهم قبل شروع الشيخ في الدرس وفي أثناء الدرس لا يقومون لاحد اما شيخنا المترجم فكلما دخل واحد منهم قام له ولو في أثناء الدرس فيقوم والكراس الذي يقرأ فيه في يده فإذا كان ذلك في أثناء الدرس كان وحده هو القائم وباقي الطلاب جالسون.
وكان يشتري لوازم بيته بنفسه ولا يكل ذلك إلى أحد رأيته مرة واقفا على القصاب ينتظر فراغه ليعطيه اللحم وذلك في أيام الزيارة والقصاب مشغول بالبيع على الزائرين ولا يلتفت إلى أصحابه المواطنين لان انتفاعه من الغرباء أكثر وكان واقفا قبل مجيئي مدة الله أعلم مقدارها فصحت بالقصاب ان اعط الشيخ ما يريد فقال الشيخ ما يخالف فقلت له اي شئ ما يخالف يدعك إلى آخر الناس فاعتذر القصاب ووزن له ووزن لي بعده ولولا مجيئي لكان حاله حال ابنتي شعيب. ورأيته مرة يساوم على الحطب يوم الجمعة أو الخميس لأنهما يوما تعطيل الدروس في الأسبوع يأتي الحطابون بالحطب من الرمث أو الشنان وما أشبه ذلك من البرية على حميرهم ويقفون بها في الأزقة فتشتري الناس منهم فقلت له يا شيخنا كلف غيرك يشتري لك الحطب فقال انا لا أغير طريقتي وكان يومئذ قد رأس وقلده الناس وقال لي مرقودة رآنا ذاهبين إلى كربلاء للزيارة مشاة انا قد غبطتكم على هذا المشي وتمنيت لو كنت أقدر على المشي فأزور ماشيا معكم.
كراهته الشهرة وانعزاله عن الناس كان يكره الشهرة ويحب العزلة الا فيما لا بد منه لدين أو دنيا فكان لا يجلس في يوم عيد ولا يحب ان يشيعه أحد إذا سافر ويزور أحيانا بعض من جرت العادة ان يزار ويحضر بعض مجالس العزاء ويأتي في بعض الليالي إلى حجرة السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة والى غيرها وبالجملة كانت زياراته مقتصرة على ما يرتفع له الجفاء وقال له الطلبة يوما وقد قرب العيد نريد ان نزوركم يا شيخنا يوم العيد فقال انا لا أريد ذلك فحضرنا يوم العيد فإذا الباب مغلق وبعد دق كثير نزل ابن أخته وصهره الشيخ علي ففتح الباب وصعدنا وسلمنا على الشيخ وباركنا له بالعيد وملا الشيخ علي سبيلين أو ثلاثة كانت موجودة هناك من التتن وقدمها للزائرين فكان أحدهم يجر الدخان من السبيل ثم يدفعه إلى الذي بجانبه واحضر شيئا من الملبس المصنوع في النجف فاخذ كل واحد قطعة منه وانصرفنا شاكرين لهذه الزيارة التي كانت رغما عن الشيخ ولا شك انه لما رأى أنه لا مناص له منها أذن لنا بدخول داره فلم نكن غاصبين ولا آثمين وأراد مرة السفر الحج فقلنا له نريد ان نودعكم يا شيخنا فمتى يكون سفركم قال انا لا أريد ذلك وكان الباذل له مصاريف الحج رجل عطار في النجف يسمى الحاج محمد الهمذاني وكانت العادة جارية ان سفر الحج يكون برا من النجف عن طريق نجد والحجاج ينصب كل منهم صيوانا بحسب حاله خارج السور يصنعون فيه القهوة وتزورهم الناس وليلة السفر يودعهم من يريد وداعهم هناك اما شيخنا فإنه انتظر إلى قرب اقفال الحضرة وحضر ليزور ويذهب إلى صيوانه فانتظرته انا واحد الطلاب هناك وذهبنا معه وودعناه ورجعنا وكان يمشي في الطريق وحده وليس معه بالليل من يحمل أمامه الضياء كعادة كبار العلماء وإذا رآه من لا يعرفه ظنه من بعض فقراء الطلبة كنت أمشي معه يوما ليلا فاستقبله زائر من العجم فسأله هل تصلي ركعات الوحشة صلاة ليلة الدفن ركعتان يهدى ثوابهما للميت فقال لا ولم يكن يعمل لنفسه دعاية ولا يلتمس من يعمل له ذلك ولا يتحدث بشئ مما جرى له مما فيه تميز بشئ.
مبدأ امره ومنتهاه كان في أول امره غير معروف كثيرا وأول من أشاد بذكره واجتهد في اعلاء امره وعرف فضله ومكانته في العلم الشيخ أحمد بن صاحب الجواهر وكان هذا معروفا بالذكاء والفطنة مشهورا بالفضل فلازمه يقرأ عليه ونوه بذكره ودعا إليه وتبعه غيره من آل صاحب الجواهر في حياة الشيخ احمد وبعد وفاته وفي مدة قراءتنا عليه وكان الشيخ احمد قد توفي وكان يلازم درسه