وصف حاله العلمية كان عالما فقيها أصوليا محققا مدققا من أفضل تلاميذ الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي مشغولا ليله ونهاره بالمطالعة والتأليف والتدريس في الفقه والأصول يأتي صباحا من داره التي بقرب مسجده الذي كان يؤم فيه فنسمع درسه في الفقه الذي كان يلقيه من كتابه مصباح الفقيه وقد كتبه في اليوم الماضي والليلة الماضية فيستمر ذلك نحوا من ساعة بعد ما يستمر الانتظار لاجتماع الطلاب نحوا من نصف ساعة ثم يذهب إلى داره ويشتغل بكتابة درس اليوم الآتي إلى الظهر فيذهب إلى المسجد فيصلي بمن اجتمع فيه ثم يعود إلى البيت فيتغدى هو وابن أخته وصهره الشيخ علي الذي كان يشبهه في علمه وأطواره وأخلاقه وابن أخيه الذي كان ساكنا معه وحضر من همدان للنجف لطلب العلم وولده الشيخ محمد وكان غذاؤهم غالبا ما يحضره هو أو أحد من ذكر من خبز العجم الذي يباع في السوق ولا يكون ناضجا مع شئ من الجبن وبعض البقول ثم ينام قليلا فإذا انتبه اشتغل بالمطالعة وكتابة الدرس وكان لهذه الدار حجرة صغيرة يصعد إليها بدرج من باب الدار رأسا تشبه حجرتي التي بدار الوقف في دمشق. هي مقره ومحل مطالعته وتصنيفه وكنت احتاج في بعض الأوقات ان أسأله عن مسالة أو معنى عبارة في مؤلفاته فادخل عليه والقلم والقرطاس في يده والجواهر والحدائق والوسائل مفتوحات أمامه فيلقي القلم والكاغذ من يده ويتوجه إلي فأسأله عما أريد ويجيبني فإذا انتهى الحديث بيننا تناول القلم والقرطاس فأسرع انا حينئذ إلى الباب. ويبقى مشغولا بالمطالعة والكتابة إلى الساعة الحادية عشرة عصرا فيخرج إلى المسجد ويلقي درسا في الفقه من كتابه مصباح الفقيه حتى يصير وقت المغرب فيصلي إماما في ذلك المسجد ثم يذهب إلى الحضرة الشريفة فيزور القبر الشريف ويصلي ويدعو ثم يعرج أحيانا على الحجرة المدفون فيها السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة أو غيرها فيجلس هناك ما شاء ثم يذهب إلى داره وقد يذهب إلى داره رأسا بعد الزيارة فيتمشى مع من ذكرناهم ويشتغل بالمطالعة ثم يستيقظ فيصلي الصبح فان وجد متسعا للمطالعة والكتابة اشتغل بهما حتى تطلع الشمس فيحضر إلى المسجد وهكذا وتخرج به جماعة صاروا من أفاضل زمانهم وبعد وفاة الميرزا الشيرازي قلد وكان قد كتب حاشية على نجاة العباد ورجع إليه جماعة من الخواص معتقدين أعلميته ولم تطل أيامه وعرض له مرض النسيان فامتنع عن الفتيا وقبض الحقوق وخرج من النجف لتغيير الهواء وأقام بسامراء فازداد فيها ضعفه ومرضه وتوفي فيها وهو في سن الكهولة بالتاريخ المتقدم ودفن في الرواق كما مر وذلك بعد خروجنا من النجف بنحو من ثلاث سنوات وكتب لنا شهادة بخط يده بالاجتهاد وقال له يوما الشيخ علي القمي عن حديث انه موجود في مستدركات الوسائل فقال ابن يكبول نمارزد هذا لا يساوي فلسا وقال يوما: نحن في حجية الاخبار مقلدون للمحقق الحلي في قوله ما قبله الأصحاب قبلناه وما ردوه رددناه وجرى يوما ذكر الفقه الرضوي فأنكر ان يكون من تأليف الرضا ع وقال إن الرضا لما مر بنيسابور وروى لهم حديث سلسلة الذهب كتبه عنه الألوف من الناس فلو كان الفقه الرضوي من تأليفه لما خفي امره ولم يطلع عليه الا رجل واحد بعد وفاة الرضا ع بمئات السنين وقال له عاملي في مجلس هذا اجماعي فغضب وقال أنت تقعد هنا في القبة وتقول اجماعا اجماعا من أين اتاك هذا الاجماع؟ وقال لي يوما: جاءني عاملي ولم يسمه لكنني عرفته بالقرائن فقال لي هذه شهادة اجتهاد أحب ان توقع فيها! فانا من أين أعرف انه طالب علم فضلا عن انه مجتهد زهده وورعه وتقواه كان زاهدا في الدنيا معرضا عنها حتى عن الكلام في أمورها العادية كالقصص والتواريخ والحكايات والسوانح لا يتكلم الا بما يعنيه لم نسمع منه شيئا من ذلك واعترف غيرنا ممن عاشره بمثل هذا لكن ذلك مع الاعتدال لا كفعل الربيع بن خثيم الذي سال رجلا هل لك أب هل في قريتكم مسجد ثم ندم وقال سودت صحيفتك يا ربيع على ما مر في ترجمته عاشرناه وواظبنا على القراءة عليه مدة وجودنا في النجف بعد فراغنا من قراءة السطوح وذلك نحوا من ثماني سنوات وخرجنا منها قبل وفاته بنحو من ثلاث سنين فلم نعثر منه طول هذه المدة على زلة ولا صغيرة واعترف بذلك أيضا غيرنا ممن عاشره وكانت فيه صفات العلماء المخبتين والزاهدين الورعين حقا لم تسمع في مجلسه غيبة من أحد وإذا شعر من أحد الجالسين انه يريد الخوض في ذلك شرع فيما يوجب عدم خوضه فيه وكان في عصره رجل في النجف اسمه الشيخ هادي الطهراني مشهور بالفضل له حلقة درس كبيرة ومؤلفات مطبوعة يقال انه كان يطيل لسانه على أكابر العلماء.
ولعله لما كان يعتقده في نفسه من الفضل والتفوق وقد شاهدناه في النجف وكثر الكلام في حقه من كثير من أكابر العلماء حتى وصل إلى حد التكفير فانحل امره وتناقص عدد حلقة درسه إلى ما يقرب من عدد الأصابع أو يزيد قليلا وكان ذلك قبل ورودنا النجف فوردناها والحال على ذلك وفي بعض أوقات وجودنا فيها ثارت ثائرة جماعة من العلماء عليه فأصدروا فتاواهم بتكفيره وأرسلوا إلى شيخنا المترجم ليشاركهم في ذلك فأبى وقال التكفير امر عظيم لا أقدم عليه بمثل هذه النسب وصارت يومئذ مسالة الشيخ هادي حديث الناس من العلماء والطلاب وغيرهم في مجالسهم ومحافلهم اما شيخنا المترجم فلم يكن أحد يجسر على ذكر شئ من ذلك في مجلسه وكان الطلبة قبل حضوره إلى الدرس يخوضون في ذلك فإذا حضر سكتوا أو تكلموا في غيره وإذا شعر بان أحدا يريد الخوض في ذلك منعه وسال رجل في حلقة الدرس عما يفعله بعض الأساتذة من شتم بعض الطلاب وزجرهم فقال هم محمولون على الصحة اما نحن فلا نفعل ذلك لكنه كان يغضب إذ رأى ما ينافي الشرع جرى يوما بمجلسه ذكر ما يفعله المسمون في العراق بالرواديد في مجالس العزاء من الترجيع والترديد فاظهر غاية الاشمئزاز والاستنكار وثوق الخاصة والعامة به بما لا يثقونه بغيره وانا أورد في ذلك حكاية واحدة تدل على المراد وفيها مع ذلك مواعظ وعبر وآداب دينية يلزم كل عالم ان يتأسى بها. لما توفي السيد مهدي الحكيم النجفي في جبل عامل كان له مع السيد محمود الحبوبي أحد تجار العراق سبعون ليرة عثمانية ذهبا وله ورثة في العراق وآخرون في جبل عاملة فأراد وصيه الشيخ عبد الحميد شرارة ان يستجلب سهم الورثة العامليين من العراق فكتب وكالة لي وللشيخ حسين مغنية بقبض سهم الورثة العامليين وايصاله إليهم ووقع عليهما أشهر علماء جبل عاملة السيد علي ابن عمنا السيد محمود والسيد نجيب فضل الله وبذل السيدان كل ما لديهما من فقاهة في تصحيح هذه الوكالة لتكون مقبولة غير مردودة فنطق الوصي بصيغة الوكالة الصحيحة وقبل السيد علي الوكالة بلفظ قبلت فضولا عن الموكلين وغير ذلك مما ربما يشترط بالوكالة فلقيت الحبوبي وأخبرته بذلك فقال أريد