وحيث كان الأمر بهذه المثابة ينبغي القطع بما عليه الجماعة، سيما مع موافقته الأصل المتقدم إليه الإشارة، بناء على اختصاص ما دل على الرخصة في القضاء للفقهاء بحكم التبادر وغيره بعارفي الكتابة منهم لا مطلقا، ولا مخصص له أصلا، عدا ما قيل: من عدم اعتبار الكتابة في النبوة التي هي أكمل المناصب، ومنها تتفرع الأحكام والقضاء وقد كان (صلى الله عليه وآله) أميا لا يحسنها، كما نبه عليه بقوله: «وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون» (1).
وهو كما ترى، لكونه بعد تسليم دلالة الآية على ذلك قياسا فاسدا، لا أولوية فيه أصلا بل مع الفارق جدا، لأنه (صلى الله عليه وآله) معصوم فبعصمته وقوة حافظته لا يحتاج إليها، ولأنه (صلى الله عليه وآله) يمتنع عليه السهو والنسيان قطعا، خصوصا مع نزول الوحي إليه مكررا، ولا كذلك القاضي من قبله (لاضطراره) بعدم عصمته، وإمكان سهوه ونسيانه وغفلته (إلى ما لا يتيسر لغير النبي (صلى الله عليه وآله)) المعرفة به (إلا بها).
هذا، وعن المبسوط أنه (صلى الله عليه وآله) كان عالما بها، وإنما كان فاقدا لها قبل البعثة (2)، وبه صرح الحلي أيضا، فقال: والنبي (صلى الله عليه وآله) عندنا كان يحسن الكتابة بعد النبوة وإنما لم يحسنها قبل البعثة (3).
وظاهره الإجماع عليه منا، ويشهد له جملة من أخبارنا.
ففي مجمع البحرين عن كتاب بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار في باب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقرأ ويكتب بكل لسان بإسناده إلى جعفر بن محمد الصوفي، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)