الثالثة: أن خضوع الفعل الاختياري للسلطنة وارتباطه بها ليس معناه تخصيص مبدأ العلية بغيره وتحديده، بل معناه أن الفعل الاختياري معلول لسلطنة الانسان وقدرته لا لإرادته، غاية الأمر أن نحو ارتباطه بها وخضوعه لها يختلف عن نحو ارتباط المعلول الطبيعي بعلته التامة وخضوعه لها، فان ارتباطه بها إنما هو على أساس مبدأ التناسب والسنخية بينما ارتباط الفعل بسلطنة الفاعل ليس على هذا الأساس كما مر، بل على أساس امكانه الوجودي وفقره الذاتي، لأن سر حاجة الأشياء إلى هذا المبدأ كنظام عام للكون كامن في صميم كيانها ووجودها، بمعنى أن كيانها ووجودها كيان ارتباطي ووجود تعلقي ولا يملك المعلول وجودا حقيقيا وراء ارتباطه بعلته، لأنه عين الربط والتعلق بها، ولا فرق في ذلك بين الفعل الاختياري والمعلول الطبيعي، فكما أن سر حاجة المعلول الطبيعي كامن في صميم كيانه ووجوده وأنه عين التعلق والربط بعلته لا شئ له الربط، فكذلك سر حاجة الفعل إلى العلة كامن في صميم ذاته ووجوده وأنه عين التعلق بعلته وهي سلطنة الفاعل واختياره، فلا فرق بينهما في هذه النقطة، وإنما الفرق بينهما في نقطة أخرى وهي أنه يكفي في ارتباط الفعل بسلطنة الفاعل وخضوعه لها امكانه الوجودي وفقره الذاتي، ولهذا لا يخرج الفعل عن حد الامكان والتعادل بين الوجود والعدم بوجود سلطنة الفاعل وقدرته، وعلى ضوء هذه النقطة يكون الفعل اختياريا رغم كونه مرتبطا بها وخاضعا لها على أساس أن ربطه بها وخضوعه لها لا يخرجه عن حد الامكان والتعادل إلى حد الوجوب لكي ينافي الاختيار، ومع ذلك تكفي السلطنة لتحقق أحد الطرفين بدون الحاجة إلى ضم مقدمة أخرى إليها وإلا لم يكن الفعل مرتبطا بالسلطنة ومعلولا لها فحسب وهو خلف، ومن هنا تختلف الأفعال الاختيارية عن المعلولات الطبيعية رغم أن كلتيهما خاضعة لمبدء العلية.
(٨٦)