الاصطلاح بتسمية الأولى بالأفعال الاختيارية والثانية بالأفعال الاضطرارية، تحصل أن الإرادة لا تعقل أن تكون علة تامة للفعل مهما بلغت ذروتها من القوة والشدة، ومن هنا يظهر أن هذه النظرية مخالفة للضرورة وجدانا وفطرة، ولعل السبب الذي دعا أصحابها إلى الالتزام بها رغم مخالفتها للوجدان السليم ومكابرتها للعقل الفطري واستلزامها للتوالي الفاسدة منها كون بعث الرسل وانزال الكتب لغوا، هو التزامهم بصورة موضوعية بعموم قاعدة أن الممكن ما لم يجب لم يوجد من ناحية وعدم وجدانهم في الصفات النفسانية صفة تصلح أن تكون علة للفعل غير الإرادة من ناحية أخرى. وسوف يأتي درس كلتا الناحيتين ضمن درس النقطة الثانية.
وأما النقطة الثانية فقد تقدم الإشارة إلى أن الفعل الاختياري مرتبط بالسلطنة والقدرة للانسان وخاضع لها لا بالإرادة، فلنا دعويان:
الأولى: أن الأفعال الاختيارية لا تخضع للإرادة ولا تدور مدارها وجودا وعدما.
الثانية: أنها تخضع للسلطنة والقدرة.
أما الدعوى الأولى، فقد تقدم الكلام فيها موسعا وقلنا هناك أن الفعل لا يخضع للإرادة وجودا ولا عدما مهما كانت وبلغت فراجع.
وأما الدعوى الثانية، فلأن خضوع الفعل للسلطنة والقدرة للانسان لا يوجب خروجه عن حد التعادل بين الوجود والعدم وهو حد الامكان إلى ضرورة الوجود أو العدم، بيان ذلك يتطلب درس عدة نقاط:
الأولى: أن فعل الانسان لا يمكن أن يكون خاضعا لنظام عام كامن في صميم