مضافا إلى أن الوجدان السليم يشهد بأن الاختيار ليس فعلا للنفس في وعائها وموجودا فيه وراء وجود الفعل في وعاء الخارج، لأنه لا يرى في النفس أفعالا لها كان أمرها بيدها وجودا وعدما ما عدا الصفات المعروفة المشهورة فيها كالعلم والقدرة والسخاوة والشجاعة والحب والبغض وما شاكلها من الصفات الحميدة والملكات الفاضلة التي هي نسبتها إلى النفس نسبة الصفة إلى الموصوف والعرض إلى المعروض، وعلى الجملة فحركة العضلات نحو الفعل في الخارج تصدر من النفس مباشرة بقدرتها وسلطنتها عليها لا بتوسط فعل لها في أفقها وراء وجود تلك الحركة في الخارج وهو المسمى بالاختيار واعمال القدرة، ضرورة أن اعمال القدرة نحو الحركة عين إيجادها في الخارج، لا أن النفس أوجدت أولا فعلا في وعائها ثم بتوسطه أوجدت الفعل في الخارج، فإنه خلاف الوجدان والبرهان.
فالنتيجة، أن الاختيار واعمال القدرة والمشيئة كل ذلك من العناوين الانتزاعية منتزعة من إضافة الفعل الخارجي إلى الفاعل، لا انها أفعال للنفس تصدر منها في أفقها مباشرة وراء الأفعال الخارجية، وعليه فما ذكره مدرسة المحقق النائيني (قدس سره) من أن الاختيار فعل نفساني وراء الفعل الخارجي غير تام ومخالف للوجدان والبرهان.
المقام الثاني: مع الاغماض عن ذلك وتسليم أن الاختيار فعل نفساني، فهل هو يصلح أن يكون علة للفعل الخارجي فيه وجهان، الظاهر أنه لا يصلح لذلك، والنكتة فيه أن الاختيار لو كان علة فالعلة بما أنها فعل طبيعي فلا محالة يكون تأثيرها في معلولها، على أساس مبدأ التناسب والسنخية بقاعدة أن الممكن ما لم يجب وجوده لم يوجد، وهذه القاعدة لا تنطبق على الفعل الصادر من