والجواب: أن هذه الوجه مبني على الخلط بين المقدور بالمباشرة والمقدور بالواسطة، فان فعل العبد وإن كان مقدورا لله تعالى إلا أنه مقدور بواسطة قدرته سبحانه على مبادئه ومقدماته لا عليه مباشرة لاستحالة تعلق سلطنته به بنحو المباشر، وعلى هذا فقدرة العبد على الفعل مشروط ببقاء حياته وقدرته وعلمه به بنحو القضية الشرطية، فإنه طالما تكون المبادئ موجودة في العبد فهو قادر على الفعل وصادر منه باختياره وسلطنته. فاذن ما يكون متعلقا لقدرة العبد وسلطنته مباشرة وهو فعله، يستحيل أن يكون متعلقا لقدرة الله تعالى وسلطنته كذلك، وما يكون متعلقا لقدرته سبحانه وسلطنته مباشرة وهو مبادئ الفعل، يستحيل أن يكون متعلقا لقدرة العبد وسلطنته كذلك.
فالنتيجة: أنه لا يلزم من قدرة العبد على فعله وكونه تحت سلطنته واختياره اجتماع قدرتين مؤثرتين فيه، وبكلمة أن ما في هذا الوجه من الصغرى والكبرى يعني أن فعل العبد ممكن وكل ممكن مقدور لله تعالى وإن كان صحيحا، ضرورة أن الممكنات بكافة أنواعها وأشكالها مقدورة له تعالى، إلا أن ما رتبه على تلك الكبرى من أنه لا شئ مما هو مقدور لله بواقع تحت قدرة العبد، معللا بامتناع اجتماع قدرتين مؤثرتين على مقدور واحد، خاطئ جدا ولا واقع موضوعي له، وذلك لأن أفعال العباد رغم كونها مقدورة لله تعالى من ناحية أن مبادئها بيده سبحانه وتعالى، مقدورة للعباد أيضا وواقعة تحت اختيارهم وسلطانهم مباشرة. ونتيجة ذلك أن الأفعال مقدورة لله عز وجل بالواسطة وللعبد بالمباشرة ولا تنافي بينهما أصلا، فاذن لا يرجع هذا الوجه إلى معنى محصل.
الوجه الثالث: ما نسب إلى أبي الحسن الأشعري على ما في شرح المواقف وحاصل هذا الوجه، أن فعل العبد صادر منه في الخارج بقدرة الله تعالى وليس