كالعلم والقدرة دون الصفات الفعلية ولا برهان على ذلك ولا تحكم به الفطرة السليمة، وأما التزام الفلاسفة بذلك فهو مبني على نقطة خاطئة قد تقدمت الإشارة إليها، فإذن لا مبرر للالتزام بأن الإرادة من صفات الذات كالعلم والقدرة، وأما تفسير صاحب الكفاية (قدس سره) الإرادة بالعلم بالنظام الأتم فقد مر أنه تفسير خاطئ لأن مفهوم الإرادة غير مفهوم العلم. وأما تفسير المحقق الأصبهاني (قدس سره) الإرادة بالرضا والابتهاج (1) فأيضا كذلك، لأنه إن أراد بذلك مفهوم الرضا بالحمل الأولي الذاتي، فيرد عليه أن مفهوم الإرادة غير مفهوم الرضا ولا تكون الإرادة مع الرضا من اللفظين المترادفين، وإن أراد به واقع الرضا بالحمل الشايع، فيرد عليه أن الرضا بالحمل الشايع من صفات الفعل لا الذات، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى أن هناك شاهدين على أن ارادته تعالى من الصفات الفعلية دون الذاتية.
الشاهد الأول: الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: (إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (2)، فإنه ناص في أن ارادته تعالى فعله وأمره التكويني، ودعوى أن الآية الشريفة بنفسها لا تنفي الإرادة الذاتية وإن كانت صحيحة إلا أنك عرفت أنه لا دليل عليها وبضم ذلك إلى الآية الشريفة. فالنتيجة، أن ارادته تعالى فعلية لا ذاتية.
وأما السنة فهناك روايات كثيرة قد صرحت بأن ارادته تعالى مشيئته وهي فعله، وفي بعضها قد صرح بنفي الإرادة الذاتية له تعالى وسوف نشير إلى تلك