الروايات.
الشاهد الثاني: ما أشرنا إليه آنفا من الفرق بين الصفات الذاتية العليا وبين الصفات الفعلية ثبوتا واثباتا.
أما ثبوتا فلا يمكن فرض خلو ذاته المقدسة عن الصفات العليا الذاتية كالعلم والقدرة ونحوهما وإلا لزم أن تكون ذاته تعالى في مرتبة ذاته غير عالمة وغير قادرة وبحاجة إلى العلم والقدرة والحياة وهذا مستحيل، بداهة أن ذاته المقدسة في مرتبة ذاته عين العلم والقدرة والحياة وغنية بالذات ولهذا يكون تصورها للذات الواجبة ملازما للتصديق بثبوتها لها عينا، بينما يمكن فرض خلو ذاته المقدسة عن الصفات الفعلية كالخلق والرزق ونحوهما والإرادة من هذا القبيل، إذ لا يلزم من فرض خلو ذاته في مرتبة ذاته عن الإرادة أي محذوره لازم من فرض خلوها في تلك المرتبة من العلم والقدرة والحياة.
وأما اثباتا فلما تقدم من أن أدوات النفي والشرط والتمني والترجي وما شاكل ذلك لا تدخل على الصفات الذاتية، بينما تلك الأدوات تدخل على الصفات الفعلية، وحيث أنه يصح دخولها على الإرادة، فهو دليل على أنها من الصفات الفعلية، فاذن لا مجال للشك في أن إرادته تعالى فعلية لا ذاتية.
وأما الدعوى الثانية: فلو سلمنا أن ارادته تعالى ذاتية كالعلم والقدرة، فمع ذلك لا يمكن أن تكون علة لفعله بقاعدة أن الممكن ما لم يجب وجوده بالغير لم يوجد، لأن نتيجة ذلك أن لا يكون الواجب تعالى مختارا في فعله، باعتبار أنه ناشئ بالضرورة من ارادته الواجبة بالذات والضرورة تنافي الاختيار، ومعنى ذلك نفي القدرة والسلطنة عن الله تعالى على أفعاله وبالتالي أنه لا فرق من هذه الناحية بين أن يكون مبدأ الكون هو الله تعالى أو المادة العمياء وهو كما ترى،