أن يكون علة له هو ارادته تعالى، وهذه الإرادة لابد من أن تكون عين ذاته تعالى وتقدس، إذ لو كانت عين فعله فهي بحاجة إلى علة، فلذلك التزموا بأن ارادته تعالى من الصفات الذاتية. ولكن قد تقدم أن فعله تعالى لا يمكن أن يكون معلولا لإرادته حتى ولو قلنا بأنها من الصفات الذاتية.
الثالث: الصحيح أن ارادته تعالى من الصفات الفعلية لا الذاتية، اما أولا:
فلأنه لا يوجد في كلمات القائلين بأنها من الصفات الذاتية برهان على ذلك، وإنما التزموا بذلك من جهة ما أشرنا إليه من النكتة وبعد بطلان تلك النكتة وعدم الأصل لها فلا موجب للالتزام بأنها من الصفات الذاتية. وثانيا: أن الخصائص والمميزات للصفات الذاتية العليا غير متوفرة فيها، وانما المتوفر فيها الخصائص والمميزات للصفات الفعلية ثبوتا واثباتا على تفصيل تقدم. وثالثا: أن الروايات الكثيرة تنص على أن ارادته تعالى من الصفات الفعلية لا الذاتية. ورابعا: أن فعل الانسان لا يمكن أن يكون معلولا لإرادته التي هي عبارة عن الشوق المؤكد في أفق نفسه وإلا لزم أن لا يكون مختارا في أفعاله، باعتبار أن الإرادة بتمام مبادئها غير اختيارية ومعلولة لعللها وناشئة بالضرورة منها إلى أن تنتهي السلسلة إلى الواجب بالذات، ونتيجة ذلك قبح العقاب بل لغوية التكليف نهائيا.
الرابع: أن المراد من المشيئة الواردة في الآيات والروايات منها صحيحة عمر بن اذينه: " خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة "، هو سلطنته المطلقة التامة على الأشياء، والمراد من خلقها بنفسها أنها ثابتة كذلك بلحاظ أنها من آثار القدرة الذاتية كما مر، وليس المراد منها الوجود المنبسط على الماهيات، بل لا يمكن أن يكون المراد منها ذلك لأنه مبني على مبدأ التناسب والسنخية بين ذاته المقدسة وبين فعله، وقد تقدم أن هذا البناء مستحيل.