فالنتيجة على ضوء هذه النواحي أن الانسان مختار في أفعاله وإنها تحت سلطانه وقدرته بدون حاجة إلى مقدمة زائدة وهذا لا ينافي كون مبادئ الفعل من الحياة والقدرة والعلم بيده تعالى وتحت سلطانه المطلق، وذلك لأن الانسان مختار طالما فيه الحياة والقدرة والعلم. وهذا يكفي في حكم العقل بحسن التكليف والحساب والعقاب.
وإن شئت قلت أن أفعال العباد ليست معلولة للإرادة وخاضعة لها بل هي خاضعة لسلطنة العباد وقدرتهم عليها مباشرة كانت هناك إرادة أم لا، وأما مبادئ هذه الأفعال فهي خاضعة لسلطنة الله تعالى وقدرته، ونتيجة ذلك أن صدور الفعل من العبد بحاجة إلى مقدمتين:
الأولى: بيد العبد وهي سلطنته وقدرته عليه.
الثانية: بيده تعالى وتقدس، والمقدمة الأولى تمتاز عن الثانية بأمرين:
أحدهما أنها في طول الثانية ومتفرعة عليها. ثانيهما: أن مقدمية الأولى بنحو المباشر والثانية بالواسطة، وهذا هو معنى الأمر بين الأمرين كما سوف نشير إليه تفصيلا (1).
الوجه الثاني: أن فعل العبد ممكن وليس بواجب ولا ممتنع، ومعنى امكانه أن وجوده وعدمه متعادلان ولا ترجيح لأحدهما على الآخر، فإذا كان ممكنا كان مقدورا لله تعالى، ولا شيء مما هو مقدور لله تعالى بواقع بقدرة العبد، لاستحالة اجتماع قدرتين مؤثرتين على مقدور واحد، فاذن لا محالة يقع بقدرة الله عز وجل دون العبد (2).