يوجد. ولكن هذا البناء غير صحيح لأن المرجح المتوهم له في المقام هو إرادة الانسان في النفس، وحيث أن هذه الإرادة بتمام مقدماتها ومبادئها غير اختيارية وناشئة بالضرورة من عللها الواقعية إلى أن تنتهي إلى الواجب بالذات، فمن أجل ذلك يكون الانسان غير مختار في أفعاله لأن الضرورة تنافي الاختيار.
ولكن قد تقدم أن الإرادة بمعنى الشوق المؤكد في النفس مهما بلغت ذروتها من القوة والشدة كما وكيفا لعوامل داخلية أو خارجية لم توجب ضرورة انبعاث النفس نحو تحريك القوة العاملة للعضلات خارجا وترتبه عليها ترتب المعلول على العلة التامة قهرا، وهذا أمر فطري وجداني وغير قابل للبحث والنقاش، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى أن الإرادة لو كانت علة تامة للفعل فلازمه أن يكون الانسان غير مختار في أفعاله، لأن ضرورتها بالإرادة بقاعدة أن الشئ ما لم يجب لم يوجد تنافي الاختيار، ونتيجة هذا قبح المحاسبة والعقوبة عليها بل لغوية التكليف نهائيا كما مر.
ومن ناحية ثالثة أن الفطرة السليمة الوجدانية تحكم بأن فعل الانسان مرتبط بسلطنته وقدرته كانت هناك إرادة في النفس أم لا، وقد تقدم أن نسبة السلطنة إلى الفعل وجودا وعدما على حد سواء. فالفعل لا يخرج عن حد الامكان والتعادل بالسلطنة عليه، وهذه السلطنة رغم أن نسبتها إلى كل من وجود الفعل وعدمه على حد الامكان لا الضرورة، تكفي لتحقق أحد الطرفين بدون الحاجة لها إلى ضم مقدمة زائدة إليها وإلا لزم خلف فرض السلطنة عليه، ومن هنا قلنا أن ارتباط الفعل الاختياري بالسلطنة بما أنه في حد الامكان، فلا يكون مصداقا لقاعدة أن الممكن ما لم يجب وجوده بالغير لم يوجد.