وجوده الحدوثي وجود تعلقي وارتباطي كذلك وجوده البقائي، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلا هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى أن الحقائق الخارجية بحركاتها المتصاعدة جميعا حقائق ارتباطية تعلقية على طول الخط لا حقائق مستقلة وإلا لكانت واجبة مستغنية عن العلة لا ممكنة وبحاجة إليها وإلا لم تكن مستقلة ومتحررة عنها، وهذه الحقائق الارتباطية بحلقاتها المتصاعدة التي ينبثق بعضها من بعض لابد أن تكون لها بداية أي علة لم تنبثق عن علة سابقة، على أساس أن كل حلقة منها معلولة لحلقة سابقة عليها وهكذا، والفرض أن المعلول عين الربط والتعلق بعلته وطالما لم تنته الحلقات المتصاعدة إلى علة مستقلة في وجودها وغنية بالذات ومتحررة عن العلة، لم تتحقق تلك الحلقات لأنها جميعا بعللها ومعلولاتها ارتباطات وتعلقات، فلابد أن تنتهي إلى سبب أعمق وراء حدودها المادية، إذ لا يمكن فرض شيء بينهما يكون متحررا عن مبدأ العلية، وذلك السبب الأعمق هو الله تعالى، غاية الأمر أن الحلقة الأولى تصدر منه تعالى بقدرته وسلطنته بالاختيار لا بالضرورة والوجوب، ولهذا قلنا أن قاعدة أن الممكن ما لم يجب لم يوجد لا تنطبق على الأفعال الاختيارية التي تصدر من الفاعل بقدرته وسلطنته مباشرة كما تقدم ذلك مفصلا. وأما الحلقة الثانية فهي تصدر من الحلقة الأولى على أساس مبدأ التناسب والسنخية وهكذا، ولذلك تنطبق عليها القاعدة المذكورة وانها ما لم تجب لم توجد.
والخلاصة: أن نظرية الحدوث نظرية خاطئة جدا وناشئة عن عدم الوعي الصحيح لمبدء العلية كنظام عام للكون والخطأ في فهم سر حاجة الممكن إلى العلة بتخيل أنه حدوثه، مع أن من الواضح أن سر حاجته إليها كامن في صميم كيانه