أما الناحية الأولى فقد أشرنا إليها إجمالا فيما سبق، ونقدم لكم هنا بصورة مفصلة.
بيان ذلك: أنه قد تقدم أن التزاحم هو تنافي الحكمين في مقام الامتثال والفعلية بعد الفراغ عن جعل كليهما معا على نحو القضية الحقيقية. ومن هنا قلنا: إنه لا تنافي بينهما أبدا في مقام الجعل والتشريع، ضرورة أنه لا تنافي بين جعل وجوب إنقاذ الغريق - مثلا - للقادر وجعل حرمة التصرف في مال الغير له، وهكذا...، بل بينهما كمال الملاءمة في هذا المقام. هذا من جانب.
ومن جانب آخر: أن التعارض هو تنافي الحكمين في مقام الجعل والتشريع بحيث لا يمكن جعل كليهما معا على نحو القضية الحقيقية، فثبوت كل منهما على هذا النحو يكذب الآخر بالمطابقة أو بالالتزام على بيان قد سبق بشكل واضح.
ومن جانب ثالث: أن الأمر المتعلق بالمركب كالصلاة وما شاكلها - بصفة أنه أمر واحد شخصي لا محالة - ينبسط على أجزاء ذلك المركب وتقيداته بقيود خارجية، فيأخذ كل جزء منه حصة من ذلك الأمر الواحد الشخصي، فيكون مأمورا به بالأمر الضمني النفسي. ومن المعلوم أن الأمر الضمني المتعلق بجزء مربوط بالذات بالأمر الضمني المتعلق بجزء آخر، وهكذا...، ضرورة أن الأوامر الضمنية المتعلقة بالأجزاء هي عين ذلك الأمر النفسي الاستقلالي المتعلق بالمجموع المركب من تلك الأجزاء بالتحليل العقلي.
وعلى هذا فلا يعقل سقوط بعض تلك الأوامر عن بعض تلك الأجزاء وبقاء بعضها الآخر، لفرض أن هذه الأوامر عين الأمر النفسي، غاية الأمر العقل يحلله إلى أوامر متعددة ضمنية ويجعله حصة حصة، فتتعلق بكل جزء من أجزاء متعلقه حصة منه. ومن الواضح جدا أنه لا يعقل بقاء تلك الحصة بدون بقاء الأمر النفسي، ولا سقوطها بدون سقوطه، وهذا معنى ارتباطية تلك الأجزاء بعضها ببعضها الآخر ثبوتا وسقوطا في الواقع ونفس الأمر.