دفعها أم لا؟ فلا يمكن له أن يرجع إلى أصالة البراءة عن وجوبها، وذلك لأن المفروض أن ذمته قد اشتغلت بوجوب النفقة. ومن الواضح أن " الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني ". فإذا لا يمكن حصول البراءة إلا بالفحص والاستعلام عن وجود المال عنده.
والوجه فيه: هو أن مجرد احتمال كونه عاجزا عن امتثال التكليف الثابت على ذمته لا يكون عذرا له في تركه وعدم امتثاله عند العقل ما لم يحرز عجزه عنه وعدم قدرته عليه، ضرورة أن ترك امتثال التكليف لابد أن يستند إلى مؤمن، ومن المعلوم أن مجرد احتمال العجز لا يكون مؤمنا، فإذا لا مناص من الأخذ بالاحتياط.
فقد تحصل مما ذكرناه: أنه بناء على وجهة نظرنا أيضا لا تظهر الثمرة بين القول بالتخيير الشرعي في المتساويين، والقول بالتخيير العقلي فيهما، فعلى كلا القولين لا مناص من الاحتياط والأخذ بالطرف المحتمل أهميته.
غاية الأمر: بناء على التخيير العقلي سقوط أحد الإطلاقين معلوم، وسقوط الآخر مشكوك فيه، ومع الشك لابد من الأخذ به. وبناء على التخيير الشرعي سقوط أحد التكليفين معلوم، وسقوط الآخر مشكوك فيه، وما لم يثبت سقوطه لا يعذر من مخالفته، ولكن النتيجة واحدة.
وأما الدعوى الثانية - وهي جريان البراءة في القسم الأخير من الأقسام المتقدمة - فلأن الشك فيه يرجع إلى الشك في كيفية جعل التكليف، وأنه تعلق بالجامع أو بخصوص فرد خاص، كما لو شككنا في أن وجوب كفارة الإفطار العمدي في شهر رمضان متعلق بالجامع بين صوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا، أو متعلق بخصوص صوم شهرين، وحيث إن مرجع ذلك إلى الشك في إطلاق التكليف، وعدم أخذ خصوصية في متعلقه، وتقييده بأخذ خصوصية فيه، والإطلاق والتقييد على ما ذكرناه وإن كانا متقابلين بتقابل التضاد إلا أن التقييد