مقدور كما تقدم. وفيما نحن فيه تعدد العقاب عند ترك كلا الواجبين من جهة الجمع بين التركين، لا من جهة ترك الجمع بينهما ليكون عقابا على غير مقدور، وهذا واضح.
وقد تحصل مما ذكرناه: أنه لا مسوغ للمكلف في أن يترك الصوم في العشرة الأولى ويحفظ قدرته عليه في العشرة الثانية أو الأخيرة، بل لابد له من الإتيان به في الأولى، ومعه يعجز عن الإتيان به في الثانية.
ومن ذلك يظهر الحال فيما إذا دار الأمر بين ترك الطهارة المائية في الظهرين وتركها في العشاءين، كما إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي بكلتيهما معا، فلو صرفه في الوضوء أو الغسل للظهرين فلا يبقى للعشاءين، وإن احتفظ به للعشاءين فلا يتمكن من الإتيان بالظهرين مع الوضوء أو الغسل.
والوجه فيه واضح، وهو: أن المكلف واجد للماء فعلا بالإضافة إلى صلاتي الظهرين. وقد ذكرنا: أن المراد من وجدان الماء في الآية المباركة هو الوجدان بالإضافة إلى الصلاة المكلف بها فعلا، لا مطلقا. كما أن المراد من عدم الوجدان فيها ذلك (1)، والمفروض - هنا - أن المكلف واجد للماء بالإضافة إلى صلاتي الظهرين المكلف بهما فعلا، فيكون مشمولا لقوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم...) * (2) إلى آخر الآية. هذا من جانب.
ومن جانب آخر: أن الوجدان المعتبر في توجه التكليف بالصلاة هو الوجدان في وقتها، فلا أثر للوجدان قبله، ولا يكون الوجدان قبل الوقت موجبا لتوجه التكليف بالصلاة إليه فعلا، ضرورة أنه لا وجوب لها قبل دخول وقتها.
فالنتيجة على ضوء هذين الجانبين: هي أنه مكلف بصلاتي الظهرين مع الطهارة المائية لكونه واجدا للماء، ووظيفة الواجد هي الطهارة المائية، لا غيرها، ولا يكون مكلفا بالعشاءين فعلا، لعدم دخول وقتهما، فإنه لا أثر لوجدانه الماء بالإضافة إليهما، والمفروض: أنه بعد الإتيان بالظهرين يصير فاقدا للماء، ووظيفة