ومن الواضح جدا أن العقل يستقل في مرحلة الامتثال بلزوم تحصيل اليقين بالبراءة والأمن من العقوبة بقانون " أن الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية "، وبما أن المفروض في مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال اشتغال ذمة المكلف بالواجب فيجب عليه بحكم العقل تحصيل البراءة عنه والأمن من العقوبة، وحيث إنه لا يمكن إلا بإتيان الطرف المحتمل أهميته فلا محالة ألزمه العقل بالأخذ به وإتيانه. وهذا معنى حكم العقل بالتعيين، وعدم جواز الرجوع إلى البراءة في مسألة التعيين والتخيير في مرحلة الامتثال والفعلية.
وبتعبير واضح: أن دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال والفعلية منحصر بباب التزاحم بين التكليفين لا غير، ومن الواضح أن المزاحمة - بناء على ما حققناه من إمكان الترتب - لا تقتضي إلا سقوط إطلاق أحدهما إذا كان في البين ترجيح، وسقوط إطلاق كليهما إذا لم يكن ترجيح في البين.
وعلى هذا الأساس أنه إذا كان أحد التكليفين المتزاحمين معلوم الأهمية فلا إشكال في تقديمه على الآخر كما سبق. وأما إذا كان أحدهما محتمل الأهمية دون الآخر فيدور أمر المكلف بين الإتيان به والإتيان بالطرف الآخر، ولكنه إذا أتى به مأمون من العقاب، ومعذور في ترك الآخر، وذلك لأن جواز الإتيان بهذا الطرف معلوم على كل تقدير، أي سواء أكان أهم في الواقع أم كان مساويا له، وبالطرف الآخر غير معلوم. ومن الواضح جدا أن العقل يلزم بامتثال هذا الطرف وإتيانه، لأنه يوجب الأمن من العقاب على تقدير مخالفة الواقع، وحصول القطع بالبراءة دون الإتيان بذاك الطرف، لاحتمال أنه غير واجب في الواقع، وانحصار الوجوب بالطرف المزبور، ومعه لا يكون الإتيان به موجبا لحصول القطع بالبراءة. وقد عرفت أن هم العقل في مقام الامتثال تحصيل الأمن من العقوبة والقطع بالفراغ.
ونظير المقام: ما إذا شك في البراءة من جهة الشك في القدرة على الامتثال، كما إذا شك في وجوب النفقة من جهة الشك في وجود المال عنده وأنه قادر على