ومن الطبيعي أن اعتبار شئ على الذمة لا يقتضي اشتراطه بالقدرة، لا عقلا ولا شرعا. ومن هنا قلنا: إن القدرة لم تؤخذ في متعلق التكليف، لا من ناحية العقل ولا من ناحية الشرع، فالقدرة إنما هي معتبرة في مقام الامتثال فحسب، ولا يحكم العقل باعتبارها بأزيد من ذلك. وقد سبق الكلام في ذلك بصورة مفصلة فلا حاجة إلى الإعادة.
ومن ذلك يظهر الكلام في ما نحن فيه، وذلك لأن حقيقة النذر أو ما شابهه بالتحليل ليست إلا عبارة عن اعتبار الناذر الفعل على ذمته لله تعالى، وقد عرفت أن اعتبار شئ على الذمة لا يقتضي اعتبار القدرة في متعلقه لا عقلا ولا شرعا، ضرورة أنه لا مانع من اعتبار الجامع بين المقدور وغيره على الذمة أصلا. فإذا لا يقتضي تعلق النذر بشئ اعتبار القدرة فيه عقلا وشرعا، فما أفاده (قدس سره) من اشتراط وجوب الوفاء بالنذر بالقدرة شرعا من هذه الناحية غير تام.
على أن ما أفاده (قدس سره) هنا من اختصاص الملاك بخصوص الفعل المقدور مناقض لما أفاده سابقا (1).
وملخص ما أفاده هناك: هو أن القدرة مرة مأخوذة في متعلق الطلب لفظا كما في آيتي: الحج والوضوء (2) وما شاكلهما، فالتقييد في مثل ذلك لا محالة يكشف عن دخل القدرة في الملاك واقعا، ضرورة أنها لو لم تكن دخيلة فيه في مقام الثبوت والواقع لم يكن معنى لأخذها في متعلقه في مقام الإثبات والدلالة، وعلى ذلك يترتب أنه بانتفاء القدرة ينتفي الملاك، لاختصاصه بخصوص الحصة المقدورة دون الأعم، وعليه فلا يمكن تصحيح الوضوء بالملاك في موارد الأمر بالتيمم.
ومرة أخرى لم تؤخذ في متعلقه في مرتبة سابقة على الطلب، بل كان اعتبارها فيه من ناحية تعلق الطلب به، سواء كان باقتضاء نفس الطلب ذلك