وأما الثاني: فلأن النقيضين قد ارتفعا من الماهيات من حيث هي، فإنها بما هي لا موجودة ولا معدومة.
فالنتيجة هي: أنه لا يمكن القول بأن ملاك عدم لزوم طلب الجمع من فعلية الأمر بالأهم والأمر بالمهم معا هو اختلافهما في الرتبة.
فالصحيح في الجواب: هو ما تقدم من أن الملاك الرئيسي لعدم لزوم طلب الجمع بين الضدين من اجتماع الأمرين هو تقييد الأمر بالمهم بعدم الإتيان بالأهم وعصيانه وعدم تعرضه لحاله أصلا كما تقدم ذلك بشكل واضح (1).
وثانيا: ما سبق من أن الأمر بالأهم لا يتقدم على الأمر بالمهم رتبة، فإن تقدم شئ على آخر بالرتبة يحتاج إلى ملاك كامن في صميم ذات المتقدم، فلا يتعدى منه إلى ما هو في مرتبته فضلا عن غيره. ومن الواضح أنه لا ملاك لتقدم الأمر بالأهم على الأمر بالمهم (2).
ودعوى: أن الأمر بالأهم مقدم على عصيانه وعدم امتثاله الذي اخذ في موضوع الأمر بالمهم - والمفروض أن الموضوع مقدم على الحكم رتبة، فلازم ذلك تقدم الأمر بالأهم على الأمر بالمهم برتبتين - يدفعها: ما أشرنا إليه من أن التقدم أو التأخر بالرتبة يحتاج إلى ملاك راجع إلى ذات الشئ وطبعه، وتقدم الأمر بالأهم على عصيانه بملاك لا يقتضي تقدمه على ما هو متأخر عن العصيان رتبة، كما لا يقتضي تقدمه على ما هو في مرتبته بعدما كان الجميع متحد في الزمان، وموجودات في زمان واحد. ومن هنا قلنا: إن العلة مقدمة على المعلول دون عدمه، مع أنه في مرتبته (3).
وأما الأمر الثاني: فيظهر فساده مما ذكرناه من أن ملاك استحالة الترتب وإمكانه هو لزوم طلب الجمع بين الضدين من اجتماع الأمرين في زمان واحد وعدم لزومه، ولا يفرق في ذلك بين أن يكون الأمر بالمهم مشروطا بعصيان الأمر