وقوع شئ أكبر برهان على إمكانه، وأدل دليل عليه، وليس شئ أدل من ذلك، ضرورة أن المحال لا يقع في الخارج، فلو كان هذا محالا استحال وقوعه خارجا، فمن وقوعه يكشف إمكانه وعدم استحالته بالضرورة.
أما في موارد الخطابات العرفية فهو في غاية الكثرة. منها: ما هو المتعارف في الخارج من أن الأب يأمر ابنه بالذهاب إلى المدرسة، وعلى تقدير عصيانه يأمره بالجلوس في الدار - مثلا - والكتابة فيها، أو بشئ آخر. فالأمر بالجلوس مترتب على عصيان الأمر بالذهاب. وكذلك المولى يأمر عبده بشئ وعلى تقدير عصيانه وعدم إتيانه به يأمره بأحد أضداده، وهكذا...
وعلى الجملة: فالأمر بالضدين على نحو الترتب من الموالي العرفية بالإضافة إلى عبيدهم، ومن الآباء بالإضافة إلى أبنائهم مما لا شبهة في وقوعه خارجا، بل وقوع ذلك في أنظارهم من الواضحات الأولية، فلا يحتاج إلى إقامة برهان ومؤونة استدلال.
وأما في المسائل الفقهية ففروع كثيرة لا يمكن للفقيه إنكار شئ منها، نذكر جملة منها في المقام:
الأول: ما إذا وجبت الإقامة على المسافر في بلد مخصوص، وعلى هذا فإن قصد الإقامة في ذلك البلد وجب عليه الصوم لا محالة إذا كان قصد الإقامة قبل الزوال ولم يأت بمفطر قبله. وأما إذا خالف ذلك وترك قصد الإقامة فيه فلا إشكال في وجوب الإفطار وحرمة الصوم عليه. وهذا هو عين الترتب الذي نحن بصدد إثباته، إذ لا نعني به إلا أن يكون هناك خطابان فعليان متعلقان بالضدين على نحو الترتب، بأن يكون أحدهما مطلقا والآخر مشروطا بعصيانه، وفيما نحن فيه كذلك، فإن وجوب الإفطار وحرمة الصوم مترتب على عصيان الأمر بقصد الإقامة الذي هو مضاد له، أي: الإفطار، ولا يمكن لأحد أن يلتزم في هذا الفرض بعدم جواز الإفطار ووجوب الصوم عليه، فإنه في المعنى إنكار لضروري من الضروريات الفقهية.