أعلاها الطير، وفي وسطها الناس، وفي أسفلها السباع. وزعم مقاتل أنه عمل السفينة في أربعمائة سنة.
قوله تعالى: (وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه) فيه قولان:
أحدهما: أنهم رأوه يبني السفينة وما رأوا سفينة قط، فكانوا يسخرون ويقولون: صرت بعد النبوة نجارا؟ وهذا قول ابن إسحاق.
والثاني: أنهم قالوا له: ما تصنع؟ فقال: أبني بيتا يمشي على الماء، فسخروا من قوله، وهذا قول مقاتل.
وفي قوله: (إن تسخروا منا فانا نسخر منكم) خمسة أقوال:
أحدها: إن تسخروا من قولنا فانا نسخر من غفلتكم.
والثاني: إن تسخروا من فعلنا عند بناء السفينة، فانا نسخر منكم عند الغرق، ذكره المفسرون.
والثالث: إن تسخروا منا في الدنيا، فانا نسخر منكم في الآخرة، قاله ابن جرير والرابع: إن تستجهلونا، فانا نستجهلكم، قاله الزجاج.
والخامس: إن تسخروا منا، فانا نستنصر الله عليكم، فسمى هذا سخرية، ليتفق اللفظان كما بينا في قوله (تعالى): (الله يستهزئ بهم) هذا قول ابن الأنباري. قال ابن عباس: لم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر، فلذلك سخروا منه، وإنما مياه البحار بقية الطوفان.
* * * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم (39) قوله تعالى: (فسوف تعلمون) هذا وعيد، ومعناه: فسوف تعلمون من هو أحق بالسخرية، ومن هو أحمد عاقبه.
قوله تعالى: (من يأتيه عذاب يخزيه) أي: يذله، وهو الغرق. (ويحل عليه) أي:
ويجب عليه (عذاب مقيم) في الآخرة.
* * * حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل (40)