وهذا هو الجواب عن قوله: (لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون. قال المفسرون: كان سيده العزيز قد مات، واشتغلت عنه امرأته. وقال بعضهم: لم يكن العزيز قد مات، فقال يوسف للساقي: قل للملك: هذه سبع سنين مخصبات، ومن بعدهن سبع سنين شداد، إلا أن يحتال لهن، فانطلق الرسول إلى الملك فأخبره، فقال له الملك: ارجع إليه فقل له: كيف يصنع؟ فقال: (تزرعون سبع سنين دأبا) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم " دأبا " ساكنة الهمزة، إلا أن أبا عمرو كان إذا أدرج القراءة لم يهمزها. وروى حفص عن عاصم " دأبا " بفتح الهمزة. قال أبو علي: الأكثر في " دأب " الإسكان، ولعل الفتح لغة، ومعنى " دأبا " أي: زراعة متوالية على عادتكم، والمعنى:
تزرعون دائبين. فناب " دأب " عن " دائبين ". وقال الزجاج: المعنى: تدأبون دأبا، ودل على تدأبون " تزرعون " والدأب: الملازمة للشئ والعادة.
فإن قيل: كيف حكم بعلم الغيب، فقال: " تزرعون " ولم يقل: إن شاء الله؟ فعنه أربعة أجوبة:
أحدها: أنه كان بوحي من الله [عز وجل].
والثاني: أنه بنى على علم ما علمه الله من التأويل الحق، فلم يشك.
والثالث: أنه أضمر " إن شاء الله " كما أضمر إخوته في قولهم: (ونمير أهلنا ونحفظ أخانا)، فأضمروا الاستثناء في نياتهم، لأنهم على غير ثقة مما وعدوا، ذكره ابن الأنباري.
والرابع: أنه كالآمر لهم، فكأنه قال: ازرعوا.
قوله تعالى: (فذروه في سنبله) فإنه أبقى له، وأبعد من الفساد. والشداد: المجدبات التي تشتد على الناس. (يأكلن) أي: يذهبن ما قدمتم لهن في السنين المخصبة، فوصف السنين بالأكل، وإنما يؤكل فيها، كما يقال: ليله نائم.
قوله تعالى: (إلا قليلا مما تحصنون) أي: تحرزون وتدخرون.
ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون (49) قوله تعالى: (ثم يأتي من بعد ذلك عام) إن قيل: لم أشار إلى السنين وهي مؤنثة ب " ذلك "؟ فعنه جوابان: ذكرهما ابن القاسم.