قوله تعالى: (أنزل من السماء ماء) يعني: المطر (فسالت أودية) وهي جمع واد، وهو كل منفرج بين جبلين يجتمع إليه ماء المطر فيسيل (بقدرها) أي: بمبلغ ما تحمل، فإن صغر الوادي، قل الماء، وإن هو اتسع، كثر. وقرأ الحسن، وابن جبير، وأبو العالية، وأيوب، وابن يعمر، وأبو حاتم عن يعقوب: " بقدرها " بإسكان الدال. وقوله تعالى: " فسالت أودية " توسع في الكلام، والمعنى: سالت مياهها، فحذف المضاف، وكذلك قوله: " بقدرها " أي: بقدر مياهها. (فاحتمل السيل زبدا رابيا) أي: عاليا فوق الماء، فهذا مثل ضربه الله عز وجل. ثم ضرب مثلا آخر، فقال: (ومما توقدون عليه في النار) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: " توقدون عليه " بالتاء. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم بالياء. قال أبو علي: من قرأ بالتاء، فلما قبله من الخطاب، وهو قوله: " أفاتخذتم "، ويجوز أن يكون خطابا عاما للكافة، ومن قرأ بالياء فلأن ذكر الغيبة قد تقدم في قوله: " أم جعلوا لله شركاء ".
ويعني بقوله: (ومما توقدون عليه) ما يدخل إلى النار فيذاب من الجواهر (ابتغاء حلية) يعني: الذهب والفضة (أو متاع) يعني: الحديد والصفر والنحاس والرصاص تتخذ منه الأواني والأشياء التي ينتفع بها، (زبد مثله) أي: له زبد إذا أذيب مثل زبد السيل، فهذا مثل آخر.
وفيما ضرب له هذان المثلان ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه القرآن، شبه نزوله من السماء بالماء، وشبه قلوب العباد بالأودية تحمل منه على قدر اليقين والشك، والعقل والجهل، فيستكن فيها، فينتفع المؤمن بما في قلبه كانتفاع الأرض التي يستقر فيها المطر، ولا ينتفع الكافر بالقرآن لمكان شكه وكفره، فيكون ما حصل عنده من القرآن كالزبد وكخبث الحديد لا ينتفع به.
والثاني: أنه الحق والباطل، فالحق شبه بالماء الباقي الصافي، والباطل مشبه بالزبد الذاهب، فهو وإن علا على الماء فإنه سيمحق، كذلك الباطل، وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال، فان الله سيبطله.
والثالث: أنه مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فمثل المؤمن واعتقاده وعمله كالماء المنتفع به، ومثل الكافر واعتقاده وعمله كالزبد.
قوله تعالى: (وكذلك) أي: كما ذكر هذا، يضرب الله مثل الحق والباطل. وقال أبو عبيدة: كذلك يمثل الله الحق ويمثل الباطل.