أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين (36) قوله تعالى: (ودخل معه السجن فتيان) قال الزجاج: فيه دليل على أنه حبس، وإن لم يذكر ذلك. و " فتيان " جائز أن يكونا حدثين أو شيخين، لأنهم يسمون المملوك فتى. قال ابن الأنباري: إنما قال: " فتيان " لأنهما كانا مملوكين، والعرب تسمي المملوك فتى، شابا كان أو شيخا. قال المفسرون: عمر ملك مصر فملوه، فدسوا إلى خبازه وصاحب شرابه أن يسماه، فبلغه ذلك فحبسهما، فكان يوسف قال لأهل السجن: إني أعبر الأحلام، فقال أحد الفتيين: هلم فلنجرب هذا العبد العبراني. واختلفوا هل كانت رؤياهما صادقة، أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها كانت كذبا، وإنما سألاه تجريبا، قاله ابن مسعود، والسدي.
والثاني: أنها كانت صدقا، قاله مجاهد، وابن إسحاق.
والثالث: أن الذي صلب منهما كان كاذبا، وكان الآخر صادقا، قاله أبو مجلز.
قوله تعالى: (قال أحدهما:) يعني الساقي (إني أراني) أي: في النوم (أعصر خمرا) أي: عنبا. وفي تسمية العنب خمرا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه سماه باسم ما يؤول إليه، لأن المعنى لا يلتبس، كما يقال: فلان يطبخ الآجر ويعمل الدبس، وإنما يطبخ اللبن ويصنع التمر، وهذا قول أكثر المفسرين. قال ابن الأنباري:
وإنما كان كذلك، لأن العرب توقع بالفرع ما هو واقع بالأصل. كقولهم: فلان يطبخ آجرا.
والثاني: أن الخمر في لغة أهل عمان اسم للعنب، قاله الضحاك، والزجاج. قال ابن القاسم: وقد نطقت قريش بهذه اللغة وعرفتها.
والثالث: أن المعنى: أعصر عنب خمر، وأصل خمر، وسبب خمر، فحذف المضاف، وخلفه المضاف إليه، كقوله [تعالى]: (واسأل القرية) قال أبو صالح عن ابن عباس: رأى يوسف ذات يوم الخباز والساقي مهمومين، فقال: ما شأنكما؟ قالا: رأينا رؤيا، قال: قصاها علي، فقال الساقي: إني رأيت كأني دخلت كرما فجنيت ثلاثة عناقيد عنب، فعصرتهن في الكأس، ثم أتيت به الملك فشربه، وقال الخباز: رأيت أني خرجت من مطبخ الملك أحمل فوق رأسي ثلاث سلال من خبز، فوقع طير على أعلاهن فأكل منها، (نبئنا بتأويله) أي: أخبرنا بتفسيره. وفي قوله [تعالى]: (إنا نراك من المحسنين) خمسة أقوال:
أحدها: أنه كان يعود المرضى ويداويهم ويعزي الحزين، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والثاني: إنا نراك محسنا إن أنبأتنا بتأويله، قاله ابن إسحاق.
والثالث: إنا نراك من العالمين قد أحسنت العلم، قاله الفراء. قال ابن الأنباري: فعلى