والثالث: الشقاء والعناء، قاله مقاتل، يريد بذلك شقاء الدنيا.
فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون (96) قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين (97) قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم (98) قوله تعالى: (فلما أن جاء البشير) فيه قولان:
أحدهما: أنه يهوذا، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال وهب بن منبه، والسدي، والجمهور.
والثاني: أنه سمعون، قاله الضحاك.
فإن قيل: ما الفرق بين قوله ها هنا: (فلما أن جاء) وقال في موضع: (فلما جاءهم).
فالجواب: أنهما لغتان لقريش خاطبهم الله بهما جميعا، فدخول " أن " لتوكيد مضي الفعل، وسقوطها للاعتماد على إيضاح الماضي بنفسه، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: (ألقاه) يعني القميص (على وجهه) يعني يعقوب (فارتد بصيرا)، الارتداد: رجوع الشئ إلى حال قد كان عليها. قال ابن الأنباري: إنما قال: ارتد، ولم يقل:
رد، لأن هذا من الأفعال المنسوبة إلى المفعولين، كقولهم: طالت النخلة، والله حركها. قال الضحاك: رجع إليه بصره بعد العمى، وقوته بعد الضعف، وشبابه بعد الهرم، وسروره بعد الحزن.
وروى يحيى بن يمان عن سفيان قال: لما جاء البشير يعقوب، قال: على أي دين تركت يوسف؟ قال: على الإسلام، قال: الآن تمت النعمة.
قوله تعالى: (ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون) فيه أقوال قد سبق ذكرها قبل هذا بقليل.
قوله تعالى: (يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا) سألوه أن يستغفر لهم ما أتوا، لأنه نبي مجاب الدعوة. (قال سوف أستغفر لكم ربي) في سبب تأخيره لذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه أخرهم لانتظار الوقت الذي هو مظنة الإجابة، ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه أخرهم إلى ليلة الجمعة، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال وهب: كان