والثاني: أن هذا القميص كان في قصبة من فضة معلقا في عنق يوسف على ما سبق بيانه، فلما نشره فاحت روائح الجنان في الدنيا فاتصلت بيعقوب، فعلم أن الرائحة من جهة ذلك القميص. قال مجاهد: هبت ريح فضربت القميص، ففاحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة، فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص، فمن ثم قال: (إني لأجد ريح يوسف). وقيل: إن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل البشير فأذن لها، فلذلك يستروح كل محزون إلى ريح الصبا، ويجد المكروبون لها روحا، وهي ريح لينة تأتي من ناحية المشرق، قال أبو صخر الهذلي:
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني * نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر قال ابن عباس: وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال ثمانين فرسخا.
قوله تعالى: (لولا أن تفندون) فيه خمسة أقوال:
أحدها: تجهلون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مقاتل.
والثاني: تسفهون، رواه عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وقتادة، ومجاهد في رواية. وقال في رواية أخرى: لولا أن تقولوا: ذهب عقلك.
والثالث: تكذبون، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير، والضحاك.
والرابع: تهرمون، قاله الحسن، ومجاهد في رواية. قال ابن فارس: الفند: إنكار العقل من هرم.
والخامس: تعجزون قاله ابن قتيبة. وقال أبو عبيدة: تسفهون وتعجزون وتلومون، وأنشد:
يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي * فليس ما فات من أمر بمردود قال ابن جرير: وأصل التفنيد: الإفساد، وأقوال المفسرين تتقارب معانيها، وسمعت الشيخ أبا محمد بن الخشاب يقول: قوله: " لولا أن تفندون فيه إضمار، تقديره: لأخبرتكم أنه حي.
قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم (95) قوله تعالى: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) قال ابن عباس: بنو بنيه خاطبوه بهذا، وكذلك قال السدي: هذا قول بني بنيه، لأن بنيه كانوا بمصر. وفي معنى هذا الضلال ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه بمعنى الخطأ، قاله ابن عباس، وابن زيد.
والثاني: أنه الجنون، قاله سعيد بن جبير.