قوله تعالى: (ومنهم من يستمعون إليك) اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: في يهود المدينة، كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمعون القرآن فيعجبون ويشتهونه ويغلب عليهم الشقاء، فنزلت هذه الآية.
والثاني: أنها نزلت في المستهزئين، كانوا يستمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم للاستهزاء والتكذيب، فلم ينتفعوا، فنزلت فيهم هذه الآية، والقولان مرويان عن ابن عباس.
والثالث: أنها نزلت في مشركي قريش قاله مقاتل. قال الزجاج: ظاهرهم ظاهر من يستمع، وهم لشدة عداوتهم بمنزلة الصم. (ولو كانوا لا يعقلون) أي: ولو كانوا مع ذلك جهالا، وقال ابن عباس: يريد أنهم شر من الصم، لأن الصم لهم عقول وقلوب، وهؤلاء قد أصم الله قلوبهم.
* * * ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون (43) قوله تعالى: (ومنهم من ينظر إليك) قال ابن عباس: يريد: متعجبين منك. (أفأنت تهدي العمي) يريد أن الله أعمى قلوبهم فلا يبصرون. وقال الزجاج: ومنهم من يقبل عليك بالنظر، وهو من بغضه لك وكراهته لما يرى من آياتك كالأعمى. وقال ابن جرير: ومنهم من يستمع قولك وينظر إلى حججك على نبوتك، ولكن الله قد سلبه التوفيق. وقال مقاتل: (ولو) في الآيتين بمعنى (إذا).
* * * إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون (44) قوله تعالى: (إن الله لا يظلم الناس شيئا) لما ذكر الذين سبق لقضاء عليهم بالشقاوة، أخبر أن تقدير ذلك عليهم ليس بظلم، لأنه يتصرف في ملكه كيف شاء، وهم إذا كسبوا المعاصي فقد ظلموا أنفسهم، لأن الفعل منسوب إليهم، وإن كان بقضاء الله.
قوله (تعالى): (ولكن الناس) قرأ حمزة، والكسائي، وخلف: (ولكن الناس) بتخفيف النون وكسرها، ورفع الاسم بعدها.
* * *