فأما قراءة من قرأ " يا بشرى " فيجوز أن يكون المعنى: يا من حضر، هذه بشرى. ويجوز أن يكون المعنى: يا بشرى هذا أوانك على ما سبق بيانه من تنبيه الحاضرين. وذكر السدي أنه نادى بذاك أحدهم وكان اسمه بشرى. وقال ابن الأنباري: يجوز فيه هذه الأقوال، ويجوز أن يكون اسم امرأة. وقرأ أبو رجاء، وابن أبي عبلة: " يا بشري " بتشديد الياء وفتحها من غير ألف. قال ابن عباس: لما أدلى دلوه، تعلق يوسف بالحبل فنظر إليه فإذا غلام أحسن ما يكون من الغلمان، فقال لأصحابه: البشرى، فقالوا: ما وراءك؟ قال: هذا غلام في البئر، فأقبلوا يسألونه الشركة فيه، واستخرجوه من الجب، فقال بعضهم لبعض: اكتموه عن أصحابكم لئلا يسألونكم الشركة فيه، فإن قالوا: ما هذا؟ فقولوا: استبضعناه أهل الماء لنبيعه لهم بمصر، فجاء إخوة يوسف فطلبوه فلم يجدوه في البئر، فنظروا، فإذا هم بالقوم ومعهم يوسف، فقالوا لهم: هذا غلام أبق منا، فقال مالك بن ذعر: فأنا أشتريه منكم، فباعوه بعشرين درهما وحلة ونعلين، وأسره مالك بن ذعر من أصحابه، وقال: استبضعناه أهل الماء لنبيعه لهم بمصر.
قوله تعالى: (وأسروه بضاعة) قال الزجاج: " بضاعة " منصوب على الحال، كأنه قال:
وأسروه جاعليه بضاعة. وقال ابن قتيبة: أسروا في أنفسهم أنه بضاعة وتجارة. وفي الفاعلين لذاك قولان:
أحدهما: أنهم واردوا الجب، أسروا ابتياعه عن باقي أصحابهم، وتواصوا أنه بضاعة استبضعهم إياها أهل الماء، وقد ذكرنا هذا المعنى عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والثاني: أنهم إخوته، أسروا أمره، وباعوه، وقالوا: هو بضاعة لنا، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضا.
قوله تعالى: (والله عليم بما يعملون) يعم الباعة والمشترين.
وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين (20) قوله تعالى: (وشروه) هذا حرف من حروف الأضداد، تقول: شريت الشئ، بمعنى بعته، وشريته، بمعنى اشتريته. فإن كان بمعنى باعوه، ففيهم قولان:
أحدهما: أنهم إخوته، وهو قول الأكثرين.
والثاني: أنهم السيارة، ولم يبعه إخوته، قاله الحسن، وقتادة. وإن كان بمعنى اشتروه، فإنهم السيارة.