ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون (62) قوله تعالى: (ويجعلون لله ما يكرهون) المعنى: ويحكمون له بما يكرهونه لأنفسهم، وهو البنات، (وتصف ألسنتهم الكذب) أي: تقول الكذب، وقرأ أبو العالية، والنخعي، وابن أبي عبلة: " الكذب " بضم الكاف والذال. ثم فسر ذلك الكذب بقوله: (أن لهم الحسنى) وفيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها البنون، قاله مجاهد، وقتادة، ومقاتل.
والثاني: أنها الجزاء الحسن من الله تعالى، قاله الزجاج.
والثالث: [أنها] الجنة، وذلك أنه لما وعد الله المؤمنين الجنة، قال المشركون: إن كان ما تقولونه حقا، لندخلنها قبلكم، ذكره أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: (لا جرم) قد شرحناها فيما مضى. وقال الزجاج: " لا " رد لقولهم، والمعنى: ليس ذلك كما وصفوا " جرم " أن لهم النار، المعنى: جرم فعلهم، أي: كسب فعلهم هذا (أن لهم النار وأنهم مفرطون) وفيه أربعة أوجه، قرأ الأكثرون: " مفرطون " بسكون الفاء وتخفيف الراء وفتحها، وفي معناها قولان:
أحدهما: متركون، قاله ابن عباس. وقال الفراء: منسيون في النار.
والثاني: معجلون، قاله ابن عباس أيضا. وقال ابن قتيبة: معجلون إلى النار. قال الزجاج:
معنى " الفرط " في اللغة: المتقدم، فمعنى " مفرطون " مقدمون إلى النار، ومن فسرها " متركون " فهو كذلك [أيضا]، أي: قد جعلوا مقدمين إلى العذاب أبدا، متروكين فيه. وقرأ نافع، ومحبوب عن أبي عمرو، وقتيبة عن الكسائي " مفرطون " بسكون الفاء وكسر الراء وتخفيفها، قال الزجاج: ومعناها:
أنهم أفرطوا في معصية الله. وقرأ أبو جعفر وابن أبي عبلة " مفرطون " بفتح الفاء وتشديد الراء وكسرها، قال الزجاج: ومعناها: أنهم فرطوا في الدنيا فلم يعملوا فيها للآخرة، وتصديق هذه القراءة (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) وروى الوليد بن مسلم عن ابن عامر " مفرطون " بفتح الفاء والراء وتشديدها، قال الزجاج: وتفسيرها كتفسير القراءة الأولى، فالمفرط والمفرط بمعنى واحد.