أحدها: من كل شعرة في جسده، رواه عطاء عن ابن عباس. وقال سفيان الثوري: من كل عرق. وقال ابن جريج: تتعلق نفسه عند حنجرته، فلا تخرج من فيه فتموت، ولا ترجع إلى مكانها فتجد راحة.
والثاني: من كل جهة، من فوقه وتحته، وعن يمينه وشماله، وخلفه وقدامة، قاله ابن عباس أيضا.
والثالث: أنها البلايا التي تصيب الكافر في النار، سماها موتا، قاله الأخفش.
قوله تعالى: (وما هو بميت) أي: موتا تنقطع معه الحياة. (ومن ورائه) أي: من بعد هذا العذاب. قال ابن السائب: من بعد الصديد (عذاب غليظ). وقال إبراهيم التيمي: بعد الخلود في النار. والغليظ: الشديد.
مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو الضلال البعيد (18) قوله تعالى: (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد) قال الفراء: أضاف المثل إليهم، وإنما المثل للأعمال، فالمعنى: مثل أعمال الذين كفروا. ومثله: (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) أي: ترى وجوههم. وجعل العصوف تابعا لليوم في إعرابه، وإنما العصوف للريح، وذلك جائز على جهتين:
إحداهما: أن العصوف، وإن كان للريح، فإن اليوم يوصف به، لأن الريح فيه تكون، فجاز أن تقول: يوم عاصف، كما تقول: يوم بارد، ويوم حار. والوجه الآخر: أن تريد: في يوم عاصف الريح، فتحذف الريح، لأنها قد ذكرت في أول الكلام، قال الشاعر:
وتضحك عرفان الدروع جلودنا * إذا كان يوم مظلم الشمس كاسف يريد: كاسف الشمس. وروي عن سيبويه أنه قال: في هذه الآية إضمار، والمعنى: ومما نقص عليك مثل الذين كفروا، ثم ابتدأ فقال: " أعمالهم كرماد ". وقرأ النخعي، وابن يعمر، والجحدري: " في يوم عاصف " بغير تنوين اليوم. قال المفسرون: ومعنى الآية: أن كل ما يتقرب به المشركون يحبط ولا ينتفعون به، كالرماد الذي سفته الريح فلا يقدر على شئ منه، فهم لا يقدرون مما كسبوا في الدنيا على شئ في الآخرة، أي: لا يجدون ثوابه، (ذلك هو الضلال البعيد) من النجاة.