قوله تعالى: (ربنا إني أسكنت من ذريتي) في " من " قولان:
أحدهما: أنها للتبعيض، قاله الأخفش، والفراء.
والثاني: أنها للتوكيد، والمعنى: أسكنت ذريتي، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: (بواد غير ذي زرع) يعني: مكة، ولم يكن فيها حرث ولا ماء. عند (بيتك المحرم) إنما سمي محرما، لأنه يحرم استحلال حرماته والاستخفاف بحقه فإن قيل: ما وجه قوله:
(عند بيتك المحرم) ولم يكن هناك بيت حينئذ، إنما بناه إبراهيم بعد ذلك بمدة؟ فالجواب من ثلاثة وجوه:
أحدها: أن الله تعالى حرم موضع البيت منذ خلق السماوات والأرض، قاله ابن السائب.
والثاني: عند بيتك الذي كان قبل أن يرفع أيام الطوفان.
والثالث: عند بيتك الذي قد جرى في سابق علمك أنه يحدث ها هنا، ذكرهما ابن جرير.
وكان أبو سليمان الدمشقي يقول: ظاهر الكلام يدل على أن هذا الدعاء إنما كان بعد أن بني البيت وصارت مكة بلدا. والمفسرون على خلاف ما قال. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن إبراهيم خرج من الشام ومعه ابنه إسماعيل وأمه هاجر ومعه جبريل حتى قدم مكة وبها ناس يقال لهم:
العماليق، خارجا من مكة، والبيت يومئذ ربوة حمراء، فقال إبراهيم لجبريل: أهاهنا أمرت أن أضعهما؟ قال: نعم، فأنزلهما في مكان من الحجر، وأمر هاجر أن تتخذ فيه عريشا، ثم قال:
(ربنا إني أسكنت من ذريتي..) الآية وفتح أهل الحجاز، وأبو عمرو ياء " إني أسكنت ".
قوله تعالى: (ليقيموا الصلاة) في متعلق هذه اللام قولان:
أحدهما: أنها تتعلق بقوله [تعالى]: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) فالمعنى: جنبهم الأصنام ليقيموا الصلاة، هذا قول مقاتل.
والثاني: أنها تتعلق بقوله [تعالى]: (أسكنت)، فالمعنى: أسكنتهم عند بيتك ليقيموا الصلاة، لأن البيت قبلة الصلوات، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: (فاجعل أفئدة من الناس) [فيه قولان:
أحدهما: أنها القلوب. قاله الأكثرون].
قال ابن الأنباري: وإنما عبر عن القلوب بالأفئدة، لقرب القلب من الفؤاد ومجاورته، قال امرؤ القيس: