النعوت بحروف العطف، والموصوف واحد، فقد قال تعالى: (التائبون العابدون) ثم قال:
(الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر) فلم يقتض دخول الواو وقوع خلاف بين الآمرين والناهين، وقد قيل: الآمر بالمعروف ناه عن المنكر في حال أمره، وكان دخول الواو دلالة على الآمر بالمعروف، لأن الأمر بالمعروف لا ينفرد دون النهي عن المنكر، كما ينفرد الحامدون بالحمد دون السائحين، والسائحون بالسياحة دون الحامدين، ويدل أيضا على أن العرب تنسق النعت على النعت والمنعوت واحد، كقول الشاعر يخاطب سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان:
يظن سعيد وابن عمرو بأنني * إذا سامني ذلا أكون به أرضى فنسق ابن عمرو على سعيد، وهو سعيد.
* * * ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين (25) أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم (26) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نريك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كذبين (27) قال يا قوم أرءيتم إن كنت على بينة من ربي واتني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون (28) ويقوم لا أسئلكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملقوا ربهم ولكني أريكم قوما تجهلون (29) قوله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه أني) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي (أني) بفتح الألف، والتقدير: أرسلناه بأني، وكأن الوجه بأنه لهم نذير، ولكنه على الرجوع من الإخبار عن الغائب إلى خطاب نوح لقومه. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة (إني) بكسر الألف، فحملوه على القول المضمر، والتقدير: فقال لهم: إني لكم نذير.
قوله تعالى: (ما نراك إلا بشرا مثلنا) أي: إنسانا مثلنا، لا فضل لك علينا. فأما الأراذل، فقال ابن عباس: هم السفلة. وقال ابن قتيبة: هم جمع (أرذل)، يقال: رجل رذل، وقد رذل رذالة ورذولة. ومعنى الأراذل: الشرار.
قوله تعالى: (بادي الرأي) قرأ الأكثرون (بادي) بغير همز. وقرأ أبو عمرو بالهمز بعد الدال. وكلهم همز (الرأي) غير أبي عمرو. وللعلماء في معنى (بادي) إذا لم يهمز ثلاثة أقوال: