فالجواب: أنه لما خلا مدحه لنفسه من بغي وتكبر، وكان مراده به الوصول إلى حق يقيمه وعدل يحييه وجور يبطله، كان ذلك جميلا جائزا، وقد قال نبينا [عليه السلام]: " أنا أكرم ولد آدم على ربه "، وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: والله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت، أم بنهار. وقال ابن مسعود: لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته. فهذه الأشياء، خرجت مخرج الشكر لله، وتعريف المستفيد ما عند المفيد، ذكر هذا محمد بن القاسم. قال القاضي أبو يعلى: في قصة يوسف دلالة على أنه يجوز للانسان أن يصف نفسه بالفضل عند من لا يعرفه، وأنه ليس من المحظور في قوله: (فلا تزكوا أنفسكم).
قوله تعالى: (وكذلك مكنا ليوسف) في الكلام محذوف، تقديره: اجعلني على خزائن الأرض، قال: قد فعلت، فحذف ذلك، لأن قوله: " وكذلك مكنا ليوسف " يدل عليه، والمعنى: ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه في دفع المكروه عنه، وتخليصه من السجن، وتقريبه من قلب الملك، أقدرناه على ما يريد في أرض مصر (يتبوأ منها حيث يشاء) قال ابن عباس: ينزل حيث أراد. وقرأ ابن كثير، والمفضل: " حيث نشاء " بالنون.
[قوله تعالى]: (نصيب برحمتنا) أي: نختص بنعمتنا من النبوة والنجاة (من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين) يعني المؤمنين. يقال: إن يوسف باع أهل مصر الطعام بأموالهم، وحليهم، ومواشيهم، وعقارهم، وعبيدهم، ثم بأولادهم، ثم برقابهم، ثم قال للملك: كيف ترى صنع ربي؟ فقال الملك: إنما نحن لك تبع، قال: فإني أشهد الله وأشهدك أني قد أعتقت أهل مصر ورددت عليهم أملاكهم. وكان يوسف لا يشبع في تلك الأيام، ويقول: إني أخاف أن أنسى الجائع.
ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون (57) قوله تعالى: (ولأجر الآخرة خير) المعنى: ما نعطي يوسف في الآخرة، خير مما أعطيناه في الدنيا، وكذلك غيره من المؤمنين ممن سلك طريقه في الصبر.
وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون (58) قوله تعالى: (وجاء إخوة يوسف) روى الضحاك عن ابن عباس قال: لما فوض الملك إلى يوسف أمر مصر، تلطف يوسف للناس، ولم يزل يدعوهم إلى الإسلام، فآمنوا وأحبوه، فلما